بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

السبت، 30 يناير 2016

العريس و العروس ...

By 10:23 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




فتح عينيه بلمسة خفيفة على خده … و صوت المنبه ينطلق … خفيفا … أطفأه بسرعة كي لا يزعج زوجته … 
أول يوم عمل … جلس على حافة السرير و نظر إلى زوجته النائمة و إبتسم … أخذ حذاءه و إلى دورة المياه الملاصقة للغرفة دخل … تفاجأ بأنها نظيفة تماما … ليست كما تركها البارحة قبل النوم … لم يهتم كثيرا … فتداخلت أفكار بين أفكار فيما سيفعل اليوم في أول يوم عمل بعد الزفاف … و إستقبال الأصدقاء له فيه … و كيف كان كل شيء أفضل مما توقع … نفسه منشرحة يخاطبها بليتني لم أؤجل الزواج كما فعلت و ليتني بسرعة في وقت مبكر تزوجت … إستغرق وقتا بعقل عنه سارح  … إنتبه لنفسه في المرآة ينظف أسنانه … أكمل حاجته و خرج … ليجد أن زوجته ليست في فراشها … ولكنه وجد ملابس العمل جاهزة معلقة مكوية … مرتبة كما لم يعتد على ذلك من قبل … فإبتسم بخفة وقال لنفسه … بشائر نعمة الزواج بدأت تهل … إرتدى ملابسه و هيأ نفسه … و ذهب إلى المطبخ ليرى ما سيكون إفطاره … فوجد السفرة قائمة وفيها ما لذ و طاب من إفطار … عسل و مربى ، زبد و خبز محمص … بيضة مسلوقة و كوب قهوة و بجانبه بعض الحليب … طماطم و زيتون و جبن و زيت زيتون … يا الله ما هذا الهناء … نادى بصوت خفيف على زوجته … 

الزوجة التي كانت في دورة المياه الأخرى …  خرجت لغرفة النوم … لتجد أن الفراش قد تم ترتيبه… فستان النهار معلق أمامها لترتديه … و قد رش بعطر زاد في رغبتها فيه … سمعت صوت زوجها من المطبخ ينادي … 

خرجت  … لتجده في إنتظارها و الإفطار جاهز كما تشتهيه وتحبه و زهرة على المنضدة ناصعة البياض … إبتسمت و تمايلت في مشيتها … فرحة بصباح تصبحت فيه على زوجها الذي تحب و الإفطار تماما كما ترغب  … 

أتما الإفطار و أراد الزوج الذهاب … فأمسك بيد زوجته وقال 
  • شكرا لوجودك في حياتي 
ابتسمت خجلا … و قالت 
  • شكرا لك أنت لإنك في حياتي 
تبادلا الإبتسام و الغمز … نهضا لتوصله حتى الباب ، أراد أخذ غرض له من غرفة النوم  غاب فيها لحظات و خرج مسرعا … لمح أن حذائه نظيف ملمع جاهز … نظر إلى زوجته و إبتسم … بحنان … كمن يقول شكرا لك جداً … 
ودعته عند الباب بإبتسامة مشعة … لا تتأخر … 
أرادت أن تبدأ نشاطها مبكرا … لتغير روتين  حياتها الذي إعتادت فيه أن تسهر طوال الليل لتنام النهار … ولكن مقاومتها كانت قليلة جدا … و جاذبية الفراش لصداع رأسها قوية كفاية … بما سحبها إليه و أغرقها في نوم عميق … نسيت معه كل شيء و فيه إنغمست … ولم تنتبه حتى أن فراشها كان مرتبا … 
بعد سويعات من النوم … أفاقت على صوت رنين الهاتف … و صديقتها تقول … 
  • سأمر من قرب بيتك ما رأيك في أن نخرج لنتمشى معا؟
  • تبدو فكرة جيدة حتى نحرق ما أكلنا من سعرات … متى؟
  • ربع ساعة فقط و أكون أمام الباب … لا أريد أن نطيل يجب أن نستغل الوقت 
  • حسنا … ستجدينني جاهزة …
أفاقت بسرعة و جهزت نفسها … و أرسلت رسالة لزوجها تعلمه بأن صديقتها التي يعرفها و يعرف زوجها ستمر عليها ليخرجا لبعض الوقت في المنطقة مشيا و يتنزها قليلا … 

بعد دوام عمل لم ينجز فيه الكثير ، لقضاءه بين ترحاب و سؤال كأنه بالزواج خبير  … عاد لبيته … ركن سيارته … دخل البيت … فظن أنه إلى فندق دخل … سفرة الغذاء مجهزة … و كل شيء فيها أنيق و معد بعناية وترتيب و إتقان كإتقان المحترفين في برامج الطعام و السياحة  …في غرفة النوم وجد ثياب البيت مرتبة جاهزة … رسمت إبتسامة على شفتيه و غبطة أخذت تتلاعب بصدره و تفرحه … 
جلس أمام التلفاز في غرفة الجلوس … يقلب المحطات … فوجد برنامجا وثائقيا عن القطط البرية … أخذ يتابعه … حتى إنتبه لصوت  سيارة ركنت أمام البيت و زوجته قد حضرت  … 
دخلت … لتجده في إستقبالها … بإبتسامة رضا و حنان … 
إبتسمت أكثر و شعرت بشعور غريب عندما رأت سفرة الغذاء جاهزة مكملة كاملة كأنها في فندق راقي … قالت 
  • سأبدل ملابسي في لحظات  … 
  • كما تحبين يا حبيبتي … 
دخلت غرفتها لتجدها مرتبة ، بعكس ما تركتها … و ملابس زوجها في مكانها معلقة … و وجدت ما سترتديه من لباس معلق أمامها جاهز أيضا … 
نظرت إلى المرايا … و الغرفة لا تكاد تسع فرحتها … بالوردة البيضاء التي بجانب ملابسها وجدت … كادت تطير … كادت تفقد الوعي … تريد أن تصرخ فرحا … ولكنها تذكرت أن زوجها ينتظرها ويجب أن تسرع ليتناولا الغذاء معا …
خرجت إليه … فنهض من مكانه مسرعا … ليجلسا إلى الطاولة … و هم في إبتسام مستمر … يتجاذبا أطراف الحديث … 
لينقطع برنين الهاتف … فأهلمه ولم يرد أن يرد عليه ، ولكنها قالت : 
  • رد عليه لعله يكون شيء مهم …
  • هو من صديقي حازم …
  • رد عليه و انظر ما يريد …

رد على المكالمة ليعلم منه أنه يدعوه الليلة لسهرة صغيرة أقيمت لإجله و دعي لها الأصدقاء ليلتقوا … فلم يعطه الرد مباشرة … ولكنه قال سأكمل غذائي و أرد عليك …

تحدث إلى زوجته بذلك فقالت …
  • كنت سأخبرك أن صديقتي سمر أيضا دعتني المساء لنشرب الشاي معا … و أنها دعت صديقاتنا الأخريات … 
  • جيدا إذا أوصلك في الطريق … و كل يسهر مع أصدقائه … و أعود إليك عندما أنتهي من سهرتي …
أعاد كل منهما الإتصال بصديقه ليخبره أنه سيكون في الموعد للقاء … 

و دخلا لأخذ قسط من الراحة … 

في المساء … 

العريس …
بعد إستقبال حار و فرحة و ترحيب … ربت أحدهم على فخذه وقال … 
- كيف حالك يا عريس … كيف هو الزواج؟ هل تنصحنا به ؟
- يا أخي هذا العالم خيالي … كل شي كأنك تعيش في فندق … كل شيء مرتب إفطارك دائما جاهز ، بالساعة و ملابسك جاهزة دائما … تصور حتى السيارة دائما نظيفة ؟ 
- يبدو أنك تزوجت إمراءة خارقة أو أنها غير طبيعية …
- لا بالعكس طبيعية تماما … و تصور أن كل ذلك يحدث دون أن أطلب أي شيء  ، فقط أجد كل شيء جاهز أمامي حتى أني بدأت أغير طبعي … و أعتاد على حياة الفنادق هذه … 
قال أحد الجالسين قبالته متكئا على كرسيه … و هو يرشف رشفة من الشاي …
- هل تريد أن تقول أنك مازلت في الفندق؟
- لا يا رجل … رجعت بيتي منذ شهرين  و يزيد … و الحياة في البيت كأنها في الفندق تماما … تصور أنك تجد أغلفة الوسائد جديدة كل يوم … و تجد إفطارك جاهزا مجرد خروجك من دورة المياه … و لم أدخل يوما لدورة المياه و أجدها غير نظيفة … لا أعرف متى تجد زوجتي الوقت لفعل كل هذا … حتى عندما تخرج مع صديقتها أعود لأجد سفرة الغذاء جاهزة من كل شيء … 
- يا أخي أنت تبالغ و تغرينا فقط بالزواج و إلا إن كان لها أخوات فتوسط لنا لعلنا نعيش حياة كحياتك … أنت أمير أمير …
ضحك العريس وهو يقول بتواضع … 
- الحياة إختيارات يا إخوان … و يبدو أنني أحسنت الإختيار … و …
قاطعه أحدهم … 
- لا … لا إنتظر لا تستعجل … أنت مازلت في البداية … و البدايات دائما جميلة و لكن عليك أن تنتظر حتى تعتاد عليها و تعتاد عليك … و ترى الوجه الحقيقي و الطلبات ستبدأ في الإنهيال عليك ، و عندها ستعرف معنى الزواج … إسألني أنا … خبرتي في ذلك طويلة … و عندما يرزقك الله بأطفال ؟ 
- لا … لا أعتقد ذلك … أنت لا تتخيل مدى الدقة و النظام و النظافة في هذه المرأة … حتى فرشاة الأسنان أجدها في ذات الإتجاه كلما إستعملتها … حذائي … لامع دائما … و صدقا لا أعرف متى تجد وقتا لذلك … إنها حقا زوجة رائعة …
- شوقتنا يا رجل … شوقتنا للزواج … قل لنا كيف إخترتها حتى نفعل مثلك تماما …
ضحك ضحكة ماكرة وقال … هذا سر المهنة لن أفصح به لأحد أبداً … 

إستمرت السهرة و العريس لا يملك القدرة الكاملة ليصف لأصدقائه كيف هي زوجته و كيف حياته معها و كيف هو نظامهم و راحتهم و إنسجامهم … و كم أنها مجرد أن يدخل هو البيت … وتعود هي من عملها … حتى يجلسا إلى الطعام … و يجدا وقتا كافيا لراحتهم و حديثهم … 


العروس …


قبلات تتطاير و ترحيبات و أحضان و وكلمات كثيرة غير مفهومة تتبادلها مع كل من تصافحها في الإستقبال … 
قفي أنظر إليك هل تغيرتي يا ترى ؟ قالت صديقتها وهي تدفعها أمامها ممسكة يدها … 
دفعتها بخفة على كتفها و قالت كفاك … لم يمضي على زواجي أكثر من شهرين … و ليتك تعيشي حياتي التي أعيش …

الله الله … قالت أحدي الصديقات … يبدو أن صديقتنا غارقة في الغرام … تعالي أخبرينا كيف هو الزواج … 
  • أخبركم … عن ماذا أخبر وماذا أخبر … 
  • ماذا هناك … شوقتنا … أخبرينا هيا … 
  • نعم نعم أخبرينا و رجاء لا تؤلفي الموشحات ولا تظيفي شيئا ، نريد تفصيلا دقيقا واقعيا حقيقيا … 
إعتدلت في جلستها و أمسكت بوسادة وضعتها أمامها و إحتضنتها … وقالت …

  • نعم أخبركن بكل شيء … فأنا أعيش حياة النجوم الخمسة … 
  • صاحت إحداهن … النجوم؟ أصبحت مشهورة ؟ أم ماذا … 
  • اسكتي دعيها تكمل … هيا هيا أكملي …
  • نعم أعيش حياة مرفهة … لم أتوقع أن يكون زوجي بهذا اللطف و الرقة و الخدمة الكاملة … نعم إتفقنا على التفاهم و على أن يساعد كل منا الآخر … ولكن … أن أفيق صباحا لأجد الإفطار جاهزا ؟ و ملابسي جاهزة 
  • لا … أصحيح ما تقولين؟
  • نعم … اليوم صباحا كان الإفطار جاهزا و كان ينتظرني … أفطرنا معا … و عندما عدت إلى فراشي وجدته مرتبا … 
تنظر جميع صديقاتها لها بإستغراب … و أفواه مشرعة … وهي مستمرة في الحديث …
  • اليوم إتصلت بي هناء … و خرجنا نتمشى معا … و عندما عدت … كان زوجي قد عاد من العمل … و وجدت الغذاء أيضا جاهزا … بترتيب لن تدنه حتى في الفنادق أو أفخم المطاعم … 
  • هل لديه إخوة؟ هل يمكن أن نجد نسخة أخرى منه ؟
  • أنا بذاتي لست مستوعبة ما يحدث … كل شيء مرتب كل شيء في مكانه ، لا يلبث شيء إلا أن يعود نظيفا كما كان … كل شيء دائما مرتب  … الثلاجة … المشتريات … كل شيء … 
  • أحب أن أحصل على زوج كهذا … 
  • ومن يكره … 

مع ضحكات خفيفة و مزاح مستمر و شوق لمعرفة المزيد  إستمر السمر و الإنسجام و هي تخبرهن عن كل تفاصيل ما حدث من زوجها و كل ما يحدث في حياتها و سط تمنياتهن جميعا للحصول على زوج مثله … حتى رن هاتفها برسالة تسأل إن كان الوقت مناسبا للعودة إلى البيت … 


تبادلا الحديث عن كيف كانت السهرة وكيف كان الإنبساط و الإنسجام  … حتى وصلا إلى البيت … لينتبه الزوج أن الأنوار مضاءة في بيتهم … فسأل زوجته هل نست أن تغلقها؟ نفت ذلك بالتأكيد … 


دخل بحذر إلى المنزل … الذي كان فارغا و مرتبا … و كل شيء في مكانه … دخل الغرف واحدة تلو الآخرى … ليتأكد من عدم وجود أحد … أغلق الباب بإحكام … تأكد من النوافذ … كلها محكمة الإغلاق … اطفأ الأنوار … و إتجه نحو غرفة نومه مرورا بغرفة الجلوس … لفت إنتباهه ضوء أحمر صغير يشع من زاوية السقف منعكسا من خلف التلفاز … إقترب منه … ودقق … أضاء الأنوار … و نظر … ليكتشف كميرا تصوير … تراقب الغرفة كلها … خرج للغرف الأخرى … كذلك … أخذ يبحث في كل الغرف عدا غرفة نومهم و دوراة المياه  … و زوجته تسأل … ما الذي حدث … ليكتشف هو وزوجته أنهم ممثلين في مسلسل حي يشاهده الآف الناس … وهم يتوهمون أنهم كانوا يعيشون حياة أفضل من البقية  و أن سعادتهم هذه  و الإهتمام بكل التفاصيل كان فعل الآخر إرضاء لزوجه … ليكتشف كل منهم … أنه لم يكون هو صاحب الإهتمام … إنما فريق التصوير ومن خلفهم من مختصين وفنيين … هم من كان يجهز كل شيء و يضعه في مكانه كما يجب أن يوضع ... 

شكراً…







أكمل قراءة الموضوع...

الخميس، 28 يناير 2016

القرية ... الزائر و الشيخ ...

By 9:04 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





نسمة باردة تتسلل لكل نفس ألقى بجسده بعد تعب يوم عمل و جد و إجتهاد … بين حقل سوق و مرعى و بيت … ليفيق بتجدد النشاط بعد نوم مع مغادرة مصباح السماء أخر حد له في الأفق … و يبدأ حياة جديدة في يوم جديد … و ينطلق معها شعاع الذهب على الحقول يفرش نفسه … على البيوت و الأشجار و لعب الأطفال الملقية في زوايا الشوارع … ينعكس … و يدفئ … صوت أجراس الماشية تخرج من حضائرها … و حلب البقر لحن يعشقه الجميع… سلام الشيوخ و لقاء الجيران … مسير إلى الحقل … و آخر إلى المرعى … وها هو بقال القرية يفتح بابه … صوت الأطفال و دوي صرخاتهم مع الضحكات يسمع بوضوح … ليزيد في جمال عزف النهار مع العصافير ودجاجات وبط سمين … 

معيشة بسيطة جداً … تعيشها هذه القرية و الكل فيها يعرف لنفسه واجب و مكان ، و حدود و همه في الحياة محدود … أرضهم بعلامات واضحة يعرفونها محددة … فذاك الحجر هناك حد لبداية أرض و نهاية أخرى … و عند التلة أيضا … بداية و نهاية … و شجرة الزيتون العتيقة هذه ذات المائة و يزيد من الأعوام … معروف أنها حد من حدود إلتقاء الأراضي … كل مافي القرية منها يكفيها ، و لم تكن بحاجة لشيء من خارجها ليزيدها راحة ، إكتفاء أهلها بما تنتجه أيديهم ، كان يجعلها أغنى قرية في كل البلاد … لا يزورهم شخص غريب إلا ما ندر ، فليس لهم علاقات بالعالم الآخر أو إرتباطات … و لم يخرج منهم أحد ليزور العالم إلا إبن أحد المزارعين وهو فقط من أصر أن يرى العالم و يجوبه و يتعلم لغاته و فنونه ولم يكن راضيا بأن يبقى في هذه القرية و إن كان هواءها أكثر نقاء من أي هواء في أي مكان … و أما البقية … فكان إرتباطهم بلأرض و رغبتهم في إعمارها و إستمتاعهم برائحة طبيخ ما يزرعون و بأنفسهم ينتجون … وعيشهم لتوفير ذلك و إهتماماتهم هذه أغنتهم عن التفكير في غير ما فعل  أهلهم و هم الآن يفعلون …

شيخ كبير في القرية برجاحة العقل و رزانة المنطق و حسن الرأي معروف … كبير في السن و هو أكبر أهل القرية و قد فارق أقرانه و من في سنه الحياة عن قريب … و هو يعرف جيدا أنه عن الفراق ليس ببعيد … و وجب منه تنبيه أهل القرية لإختيار من يحرس مصالحهم بعد الممات … لم يكن أحد يهتم لما سيحدث أكثر من إهتمامهم بصحة شيخهم و أن يكون في أتم الراحة و لا يحتاج شيئا إلا و وجده عنده … و العمل أكثر يشغلهم …


في يوم الشمس فيه كانت عن الأرض بغيم محظورة … و الرياح فيه تتلاعب بالبرد توزعه على كل شجرة و صخرة بالطين مغمورة … بقايا أوراق الشجر تتطاير معها محمولة …

ظل أسود … يمتطي ظل فرس يلحقه ظل كلب … يقطع المساحات عن مكان آمن ليبيت الليلة يبحث … يتفحص المحيط يقترب من كتل صخرية متراصة كالجدار القديم … ينظر يدقق … لعل في حطام هذا المكان جوف من الرياح و البرد يأويه … يجد فجوة … بالصخر مبنية … يقترب منها يشعل شعلة … يضاء له ظل على ما تبقى من جزء الحائط … من خلف غطاء على الأرض ملقي … يظهر له وجه شاحب لجسد يرتعد من البرد … يفاجئه مباشرة بقول … ماء … هل لديك شربة ماء … 
إنكب عليه بقنينة الماء … فأخذ يرشفها … كأول رشفة ماء يحتسيها في حياته … أحظر له بعضا من الخبز … و قطع اللحم المقدد … و حبوب فاكهة إقتطفها مصادفة … حتى إرتاح و هدأ …  أخذ يهيء خيمته … ليبيت الليلة هناك … 
زاد الدفء بإشعال نار ألقى فيها ما جمع من حطب … يعمل في صمت و هو يشاهد الشيخ متعجبا في حاله وما آل إليه مآله ، و كيف وصل إلى هنا و أين أهله و عياله … 
جلس إليه وقد إعتدل في جلسته و إتسعت عيناه و شعر بالشبع … و سأله … ما الذي أتى بك إلى هنا … ماذا حدث لما أنت بهذه الحالة؟
إنعكس لهب النار على دمعة باردة على خده إنزلقت … و قال … نحن الذي حدث … نحن الحدث … و أخذ يقص عليه كيف آل مآله إلى ما هو عليه … فقد كان أحد سكان قرية كانت ها هنا قائمة … 

فأخبره أن شيخ القرية … الذي كان ذاك الوقت إعتماد الجميع عليه … عمره على نهايته قد شارف ، و الأجل أخذ مكانه منه و الحياة بهدوء فارق … و القرية هدأت و إلى المقبرة سارت … و عاد كل إلى بيته حزنا داره حتى الصباح لم يفارق … 

و لم يفكر أحد فيما سيحدث بعد ذلك … من سيتولى أمورهم ومن في مكان شيخهم سييدير شئونهم … ومن سيهتم بما يجد من أحوال و يزوج بناتهم ، و من سيخطبهم يوم الجمعة … و إلى من يشتكي من له من أحدهم شكوى إن كان هناك أي شكوى … 
في اليوم التالي … عاد كل إلى عادته … و أخذ طريقه إلى عمله … حقل سوق و بيت و بستان … و الراعي الى المرعى أخذ الأغنام … و إستمرت الحياة كعادتها … و الكل في عمله مشغول … ولم يفكر أحد في حال القرية و إحتياجها لرجل مسئول … ليهتم بشئونهم وهم في أشغالهم أوقاتهم يقضون … 

إجتمع بعض رجال القرية قبيل المغيب … ليتباحثوا أمرهم … و يحددوا إختيارهم … و ينصبوا أكثرهم أهلية ليهتم بأحوالهم … 
فكان كل منهم عن ذلك منشغل … و خوفه من المسئولية يبعده … و رفض كل من عرض عليه المقام … ليتفرغ له و يهتم … ولكن لكل منهم حجة إطعام العيال … و الإهتمام بالأرض و الأعمال … و إستمر النقاش على ذات الحال … حتى تحور الحوار إلى أكثرهم قدرة على ترك عمله … و من ثم إلى من لا شغل له ، ليستطيع القيام بهذا الواجب … و أختصرت النتيجة على من لا شغل له ولا عمل … و لديه من الفراغ متسع … و أختير العاطل الوحيد في القرية … ذاك الشاب الذي يقضي يومه جالسا عند مدخل القرية … يتفحص الداخل و الخارج … و أهله يعملون في حقلهم … ويحلبون بقرهم …
إعترض أحد الرجال … وقال هذا إنسان بطال ولا يفقه إلا في القيل و القال … فجاءه الرد من البقية ،  و هل لديك حل آخر غير أن نترك أعمالنا و نجلس لإدارة شئون القرية؟ 
فسكت عن الأمر عاجزا عن الرد … غير راغب في التطوع ليكون هو المسؤول ولكنه أشار إلى إمكانية أن يكون لهذا الشاب مستشار منا … و لم يتطوع أحد … و أكدوا له أنه ليس لديه ما يفعله … و ستسير الأمور كما العادة … 

صباحا مع قطر الندى … جمع الجميع في القرية ليعلموا بأنهم نصبو ذاك الشاب ليكون مديرا لشئون قريتهم … و أنه سيهتم بتنظيم أحوالهم و من كان له شيء يمكنه أن يعود إليه … 
لم يهتم الكثيرون بذلك و باركوا الإختيار … و إتجه كل إلى عمله … وهم مطمئنون … أن كل شيء سيكون على خير ما يرام ، فهم على كل حال … لا مشاكل بينهم ولن يلجأوا له حتى يحل مشاكلهم على كل حال … 

مرت الأيام … ولا شغل يشغل ذاك الشاب ولا من يأبه إلا كيف هو الحال … و الجميع في شغلهم منشغلون … 
أخذ يحوم حول القرية … و يحاول التدقيق في حالها و يرى كيف صار به الحال مشرفا عليها ، ولكن أهلها لا يتخاصمون ولا يتشاجرون و حياتهم نغم مستمر … و كلمة الرجال تعلوا كل لكمة و الأطفال يسمعون أوامر أهلهم … و النساء في واجباتهن منهمكات … و كل الرجال يتعاملون بأخوة و صداقة متكاملة … ولكن كيف … كيف أكون أنا مشرف القرية ولا أثبت أني قادر على حل المشاكل و إبدأ الرأي و إصدار القرارات و تطبيقها و حتى فرضها إن لم يستمع لي أحد … كيف يكون ذلك … يجب أن أثبت وجودي … و أن أظهر كل ما لدي من مهارات و حنكة و فطنة … يجب أن أتصرف … 
أخذ يجمع حوله كل من وجد من الصبيان … و كل من لا شغل له منهم ولا مشغلة … و يقربهم إليه … و يعدهم و يمنيهم … و يعطيهم مهمات و يشعرهم بالأهمية و إحتياج القرية لدورهم … وضرورة طاعة أوامره … و يعدهم بالعطاء … فوجد منهم آذان صاغية و أثار أطماعهم … وبدأ في تحقيق مراده … و أهل القرية في أنفسهم منشغلين … بالبحث عن قوت بالعمل منهمكين … حتى أدخل بينهم الطمع و أغارهم بالحسد ، و ألب بعضهم على بعض لأجل أمتار في قطع الأرض … 

كادت النار تنطفئ …  لشدة تركيزه على ما يقصه الشيخ … وهو يرى اللهب يحرق كل ما وضع من حطب … لا يبقي منه إلا رمادا … و النار يصعب أن تأكل الرماد أو به تشتعل … 
جف الدمع على خده … و أخذ يردد … نحن الذي حدث … إهتممنا بالرزق المقسوم … و أهملنا الواجب المحتوم … إتكأ على ما تبقى من جدران بيوت القرية وهو يرددها … ولم يصمت حتى أخذه التعب و نام … 


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 25 يناير 2016

اللحظة ...

By 8:41 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





مربعات متناسقة الترتيب ، تضع شكل حذاء على الأرض يُرسم … بعضها عميق و الآخر سطحي العمق … لكثرة ما داس و تآكل مطاطه وذاب … لونه بني … ولكنه الآن مكتسي بالأوساخ و الأتربة ، أغار عليه السواد فصار أشهبا مظلم … إنطفأت لمعة جلده … و إهترأت خيوطه … التي تكاد تلتف حتى تصل ركبته … فحذاء كهذا … يحتاج لأن يكون محكما على الساق بقوة ، حتى تكون قبضته على الأرض لمن بداخله ثابتة … بنطلون مزركش بتمويهات مظلِلة … يتداخل في الحذاء بين خيوطه و أطراف جلده … ليتناسق مع ما أصاب الحذاء من أوساخ و طين … لينعكس كأنهما بنية واحدة … تكتمل بإنتفاخات و ثنايا ترتفع لتصادفها الجيوب … جيوب متسعة … تكفي لدس الكثير من التراب … أزرارها حديدية … تسمع لوصتها تكتكات عندما ببعضها تلتقي لتغلق الجيب و تؤمنه … لامسها الصدأ في بعض أطرافها … فخوضها في طقس متقلب بأمطار و رياح و رطوبة عالية … جعلها أهلا ليصدأ معدنها … تلك جيوب لا تتعدى الفخذ في مكان البنطلون … الذي إستقر داخل حذاء الجلد الطابع على الأرض مربعاته … 

لينتهي في أخره بحزام كثيف النسيج قوي الشد خفيف الوزن … يحزّم خصرا يثبت عليه ما إستقر فيه من عظم و لحم … ليستره … و جيوبه الخلفية تكاد تسقط منه لولا تشبثها في البنطلون بغرز الخياطة …  وما أن ينتهي البنطلون حتى ينسدل معطف قصير … ذو قماش كأنه خيمة رجل فقير … يتهادى بأطرافه ملتويا متعرجا يجمع في ثناياه فتات الخبز و حبوب الغبار … تنتفخ جيوبه ، تتصادم أزراره مع ممسك السحّاب الحديدي خشن المظهر قوي الأسنان شديد الإقفال … جيوبه كثيرة عند جانبيه و أعلى الصدر عند القلب … و إن لم يكن تماما عند القلب ولكنه يساره ، و عادة يترك فارغا إلا من علبة السجائر … و قداحة تكاد تفرغ من سائل الإشعال ولكنها لا تزال بالغرض تفي لتشعل ما تبقى في العلبة من سجائر … و ما دون ذلك … فتلك الزاوية من المعطف خالية … خلاء صحراء واسعة خاوية … 

بين دفتي المعطف … قميص قطني تملأه صور تحتاج لتأمل حتى تستطيع ترجمتها ، الترجمة الصحيحة … ولكنها تقول أنا حر لا قيود بعد اليوم … تمتلئ بها بطن لها إنتفاخ طفيف … تضيق عند الرقبة بحواف مثنية … لونها مختلف عن البقية … فسوادها أغمق من سواد الحذاء و الأرضية … يغطي المعطف ما خلفها بثنية متسعة ينسدل منها خيوط شد مرخية … 

عند الرقبة … ينتهي القميص ليلتقي بتجويف بلعوم جلده بخفة يتنفس… لتطول الرقبة بشعر على ذقنه خفيف ، لم ينتظم في نموه بعد … أسنان لا يختلف لونها عن الحذاء عندما كان جديداً … معها ريح أنفاس كمن للتو خرج من أكل جيفة أبقى منها السبع بعض عظام … شعر أنف يطل خفيفا … على وجنتين كاد العظم ينطق منها هربا … لولا جلد به أمسك … حاجبان … بشعر كثيف منتصبة كخط أفق في ليل مظلم أصم أعمى … جبهة خطوطها منتهية … لا تصف خبرة ولا تصف عمر … ليعتري الرأس شعر تحرر من منبته يبحث عن من بالدهن يكرمه … حتى يهدأ و يتصفف في مكانه … يتطاول من تحت قبعة بلون البنطلون مزركشة … تقبع على رأس لا يحمل أكثر من فم يدخن … 

تحت الحاجبين فوق الخد عينٌ … كجمود جليد قطب شفاف … لا يفكر في الذوبان ليسقي ضمأ أو يحيي نبات … تقف في الفراغ تبحلق … لا ترسل إلى ما تحت الشعر والقبعة من جمجمة وما فيها أي إشارات أو تعبيرات … فقط … جمود … تنظر … في الفراغ … تمني نفسها … بما تحب من مال … و ما سيأتي بالمال من سلطة … 

كتف المعطف … يتخلل كمه ذراع هزيل … يمتد بداخله حتى يخترق كُمه … و تخرج يد عند آخره … بأصابع عظامها أكثر وضوحا من وجنتيه … أظافر لا لون لها إلا سواد و بياض متداخل مع بعضه البعض … وتلك اليد … على مقبض خشبي ملتصق في قطعة معدنية لها إمتداد بإنبوب مجوف … به إلتواء لولوبي … نهايته بزناد عليه إصبع ملتصق تقبض … 

جمود لحظة دامت أقل من جزء اللحظة … الذي فيه تلك الرصاصة في لولب الإنبوب الذي بين يديه … ببرود عينيه إنطلقت أطفأت دفئا في عيني أم و طفليها وأوقفت الدمع منهما  … بعد أن قتلتهم برصاصة في عنق الأب إستقرت … 

و في ذات التربة … إستمر الحذاء يرسم مربعاته … تتناثر منه حبات رمل وبعضها في أسفله يلتصق … وبعضه مع أنفاسه و نتانتها ينطلق … 



شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 16 يناير 2016

العرض الأخير ...

By 10:01 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




في اليوم الموعود … اليوم الذي  إنتظره كثيرا … و كان إنتظار مشوق … عدد أيامه … و حتى دقائقه … و مصادفة اليوم … كان كل شيء كما لو أنه أختاره مسبقا … السماء صافية … النسمة هادئة … الشمس لطيفة … تناغمت المدينة معه حيثما ذهب … لم يشهد في ذاك اليوم أي نوع من أنواع التأخير أو حتى إزدحام في أي من إشارات المرور التي مر بها … تناسق كامل اليوم … كتهيئة  موعد مهم … وهو مهم فهو في الإنتظار منذ الصيف الماضي … 

حجز مقعده في العرض الأول منذ الإعلان عن موعد إطلاق الفلم الذي كان إنتظاره مطولا و مشوقا بكل الإعلانات و اللقطات الدعائية التي… سبقت يوم الإطلاق و العرض المنتظر … وها هو ذا … 
يعرف أنه ليس قادر على الوصف … و يعرف أنه عاجز عن التفكير أكثر … لشدة الفرحة … 

كان الإطلاق في أضخم صالة عرض …مجهزة تجهيزا غير مسبوق … و كانت مفاجأة له عندما … عرف أنه سيحضر العرض الأول للفلم و يكون أبطاله و مخرجه و منتجوه حاضرين في ذات القاعة … لم يصدق هذا ... حجز مكانا مناسبا في الصالة بكرسي متكئ و أحضر معه غطاء و ملذات المشاريب و المقرمشات و قطع الحلوى و الشكلاتة ولم ينسى حبوب الذرة المفرقعة المرشوشة بالكراميل الذائب و عصير الفاكه الطازج البارد لإنعاش اللحظة ... 

المتكأ كان ناعما و الفلم كان رائعا ... قصته مشوقة تمثيله متقن برع المخرج في أن يجعلنا نعيش معه… خاصة مع وجود المؤثرات التي إمتلأت بها صالة العرض من مكبرات صوت محيطة تجعلك تشعر وكأنك داخل أحداث الفلم … والأصوات كلها حولك بكل تفاصيلها الدقيقة … 
لجأ لغطائه مرات عديدة لكثرة ما إندمج في الفلم و أحداثه و زاد من التشويق نسيان أنه حاليا جالس يشاهد وليس احد أطراف الفلم ذاته ...
فعلا إعداد رائع و ناجح و إخراج وإنتاج و تمثيل مفعم بالواقعية و قوة الأداء ... 
أعجبه كل شيئ من التجهيزات إلى القاعة إلى ... كل شيء … صراحة كل شيء فيه كان كاملا مكملا … 
لا يمكن أن يشتكي أو يرفض و يتحجج بشيء أبدا ... أبدا …
إنتهى العرض … و أضيئت الأضواء الخافتة … و أسماء القائمين على إنتاج و تحقيق هذا العرض تُعرض … و الجميع يصفق … و هو مذهول بما عاش من لحظات … مازال تأثيرها عليه قائما … 

وقف و إلتفت ليرى نظرة الإعجاب على وجوه الحاضرين … و الإبتسامة تعلوها … و بعضهم يحاول مصافحة المخرج و الممثلين و الحصول على توقيعاتهم … و هم في غاية السعادة لما رأوه من تقدير و إعجاب على وجه الحاضرين … كان شعورا غامرا … أن تشهد كهذا العرض … 

أخذ الجمع في الخروج من المكان … و الكل يعبر عن ما أعجبه … و كان هو لوحده لم يصحب صديقا أو رفيق … خرج و مشاعر تأثير ما شاهد مازالت بداخله قائمة … خرج و قد غابت شمس ذاك اليوم اللطيف … و أخذ يمشي في شوارع هادئة … قليلة المارة … إضائتها خافتة … و أخذ شعور ذاك الشعور  يراوده مجددا كما كان دائما يفعل … 

لماذا دائما أنا في موقع المتفرج…؟
لماذا أنا دائما في صف المخدوم ولست في صف الخادم … ؟
لما لست أنا من ينتج و يصنع ليشاهد الآخرين و يحصد إعجابهم…؟
لما دائما أقضي وقتي في رؤية ما يتعب في إعداده غيري ولا أفكر أنا في صنع شيء ما بنفسي …؟


يجب أن أغير هذا … يجب أن يكون لي في هذا العالم بصمة تذكره بأني ولدت و عشت وفيه أثرا تركت … ولا يجب أن يكون مجيئي و بقائي و خروجي منه … بلا أي تأثير …  فماذا إن كان هذا آخر عرض في حياتي … 

شكراً... 
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 11 يناير 2016

تحقيق الحلم ...

By 10:34 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





مد يده ليوقف جرس المنبه الذي تأكد من إعداده البارحة مرات عديدة … و بمجرد أن أطفأه … حتى نهض من مكانه واقفا … 
خرج من دورة المياه متأهبا … ارتدى ملابسه و هو ينظر إلى المرآة … ليتأكد أنه إرتدى ملابسه بشكل صحيح ، و رتب و هندم نفسه … يجول في غرفته كمن يقيس أبعادها ، يفتح الخزانة يغلقها … يفتح الأدراج يغلقها … يعود إلى حقيبته يتأكد من وجود كل شيء فيها ، يقف يضع يده على رأسه … هل نسيت شيئا ؟ يجب أن لا أنسى شيئا … لا أحب أن أسافر و أنسى أي شيء خلفي … هل يا ترى سأنسى ؟ 

لحظة أين أوراق السفر و التذكرة … ركض نحو المنضدة … ليتأكد أنها هناك ، قلبها بين يديه ، تأكد من صورته في جواز السفر … أعاد قرأة موعد الرحلة ، الساعة الثانية … إذا يجب أن أكون في المطار عند الثانية عشرة تماما ، قبلها و ليس بعدها … هذا المبلغ الذي سآخذه معي … و هذا عنوان الفندق و الحجز … 
هل سيكون فندقا مريحا يا ترى ؟ … أرجو ذلك … فلست على إستعداد لإن أنام في فندق رخيص أو منطقة غير آمنة … 

وقف ينظر إلى نفسه … وهو يفكر … أخيرا حان الموعد … أخيرا سأكون في طريقي إلى حيث أريد … أخيرا سأحقق حلمي … إقترب من المرآة أكثر و قال لنفسه … فعلتها … ها قد أنجزت ما كنت به تحلم منذ صغرك … كل شيء جاهز … نعم … نجحت … إبتسم و قبل نفسه في المرآة … و إلتف على نفسه يرقص فرحا … فجأة توقف و نظر إلى الساعة … فإذا هي الثامنة صباحا … 

خرج من غرفته لتحضير إفطار خفيف … فقد قرأ أنه ليس من المفترض أن تفطر إفطارا دسما عندما تكون على سفر و الأفضل أن يكون إفطارك خفيفا ولكنه مغذي … فكر في صحن سلطة مع بعض التونة … و كوب عصير … كان ذلك سيكفيه شبعا حتى يصل إلى الفندق و يجد عشاء مناسبا بعد أخذ قسط من الراحة هناك … 

أخرج حقيبته … لبس نظارته … إقتربت سيارة الأجرة … جلس مبتهجا … أنه نحو المطار في سيارة متجه... 

بإبتسامة عريضة … أخذ يشاهد الشوارع و المارة و السيارات … ينظر إليها كمن يراها أول مرة في حياته … يداعب الأطفال في السيارات الملاصقة … و يبتسم في وجه سائقي السيارات الذين في الغالب حانقين على ما في الطرقات من إزدحام هم سببه… يبتسم لسائق الأجرة … وهو يحاول سؤاله عن وجهته و أين سيسافر و كم سيقضي من الوقت … و لم يتأخر في إجابة أي سؤال من تلك الأسئلة عامة أو شخصية … أجابها و هو يتباهى أنه جمع مال سفرته بنفسه … و أنه لم يعتمد على أحد في شيء ، و أن هذا حلم سيحققه و لن يأخذه منه أحد كما لم يفعل حتى الآن … 

أخذ يبحث في شاشات عرض المعلومات ليعرف مكان أخذ بطاقات الصعود إلى الطائرة و تسليم الحقائب … الرقم خمسة الممر الثاني هناك هذا الرقم أربعة … إذا الذي يليه … ها هو … هناك صف ينتظر فيه كل دوره ، وقف خلفهم … و هو ينظر حوله متحمسا...

ينتبه لشخص يرتدي زي رجل الأمن يسير نحوه … لم يبالي به و إستمر ينظر إلى الصف و كل يسلم أوراقه و جواز سفره ليضع الحقيبة على الميزان و يلصق بها ورقة مرجعية و يستلم بطاقة صعوده و ينصرف بإبتسامة … و الذي يليه … 

إذا به ينتبه أن رجل الأمن يقترب منه و يتجه نحوه مباشرة … 

لم يعرف ما الذي يفعله … أو ما الذي فعله أساسا حتى يستهدفه رجل أمن … ماذا يفعل يا ترى … أخرج من الصف … ألتفت … أصمت … إذا برجل الأمن يقول لحظة لو سمحت يا سيدي … فإلتفت إليه … و إذا به يتحدث مع من كان واقفا أمامه في الصف و يطلب منه أن يسلم ورقة إلى من سيجده في المطار الأخر كما إتفقا من قبل …

تلك اللحظة أحس كأن نبض قلبه إنتقل إلى إصبع قدمه الأكبر و أن الحذاء أخذ يتقافز من مكانه محاولا مجاراة تسارع نبضات قلبه … و أحس بقدميه ترتعدان و معها برغبة لدخول دورة المياه … و تصبب منه العرق … و إرتبك أشد الإرتباك … 

الصف يتقدم و الناس بهدوء كل يتم إجراءاته و يأخذ بطاقات صعود الطائرة و ينصرف … و هو يتقدم مع الصف ببطء … نظر حوله في إرتباك وهو يمسح ما تصبب من عرق على جبينه … و قال في نفسه … 
ماذا لو أنهم قبضو علي بسبب إشتباه في الأسماء مع أحد الإرهابيين…؟ 
كيف سأتصرف  … ماذا لو أن الطائرة تعرضت للخطف …؟
ماذا لو أن المطبات الهوائية سببت عطللا و أسقطت الطائرة …؟ 
أنا لا أخاف المرتفعات ولكن لن أنجو إن أسقط صاروخ الطائرة …؟
ماذا لو أن الطائرة إختفت نهائيا ولم يجدها أحد …؟
حتى و إن وصلت الطائرة بسلام … ماذا لو لم أجد سيارات أجرة هناك عندما أصل و إذا وصلت متأخرا في الليل …؟ 

و إن وجدت هل سيحتال علي السائق لأنني غريب ولا أعرف لغته ولا عملته ؟

لابد أن اتعلَّم اللغة

و لكن إن قاومته في عدم دفع الزيادة و حدث أن دفعته و سقط على رأسه و فارق الحياة … مصيبة … عندها سأجد نفسي في سجن مع مجرمين وحثالات و بيئات إجرامية و ربما أتعرض للإهانة و التنكيل و لا قدرة لي على المصارعة و الدفاع عن نفسي في وسط كهذا … و بالتأكيد الطعام عندهم سيكون أردأ الأنواع … ولن تهتم لي سفارة بلدي … ولا أعرف أحدا هناك ... سأكون وحيدا ... 

لا لا يليق بي ذلك ، و لست مستعداً لأن أضيع حياتي و راحتي و أدخل السجن في بلد غريب … 
إنتبه أنه بقي أمامه شخص واحد فقط حتى يسلم أوراقه و حقيبته ... ولكنه خرج من الصف مسرعا نحو مخرج المطار … أخذ سيارة أجرة و عاد الى البيت أحكم إغلاق الباب ... وضع حقيبته جانبا و أوراقه على المنضدة في المدخل ... خلع حذائه … أغلق الأنوار …  دخل الفراش غطى نفسه بغطاء الريش ونام


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 2 يناير 2016

حبايب ...

By 9:12 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


مؤشر التنبيه أحمر … عن رسالة نصية وصلت … معها دقة قلب خفقت … و يد إرتعشت … و عين حولها إلتفتت … و خد تورد و أصبع تعقد …
بادرت إلى فتح الرسالة … فقرأت …
مرحبا … 

فرحت … و من مكانها قفزت … أنها للتوة كانت أفكارها تقول أنه لن يتصل بها و لن يبادرها وكالعادة كانت هي من يجب أن يبادر … و لكن … ها هو … يرسل رسالة … و يرحب بي … 
إحتضنت الهاتف و رقصت في غرفتها وكادت تسقط لكثرة ما على الأرض من … أغراض … 
رن الهاتف قطع دورانها و رقصها … فإرتمت على السرير و نظرت لمن المتصل! … فإنطلق من عينيها شعاع غلب ضوء الشاشة … و هي في عينها تتلألأ … 
ضغطت على الدائر الخضراء … لترد … بلا تردد … 

بصوت طفولي ناعم رقيق … قالت 
- ألو … 
  • مرحبا كيف حالك 
  • مرحبا أنا بخير ( وصوتها يفضح ضحكتها ) 
  • ماذا تفعلي الآن هل أنت مشغولة؟
  • لا أبدا كنت أدرس قبل قليل و لكن ليس لدي شيء الآن ، أنت ماذا تفعل 
  • لا شيء … كنت أحاول الإنتهاء من دراستي أنا أيضا فغدا لدي الكثير لإقدمه …
  • هل تحتاج مساعدة؟ 
  • أوشك على الإنتهاء و أردت الإطمئنان عليك و أرى ما تفعلي 
  • أستطيع مساعدتك إن أردت … أنا بخير فرحة جدا لإنك إتصلت … أسعدني ذلك جدا 
  • أسعدت أنا أيضا بسماع صوتك … يفرحني كثيرا 
  • دائما أشعر براحة عندما أسمع صوتك أو أراك 
  • و أنا كذلك و دائما أرغب في أن  أكون معك … و أفكر في أن نكون معا إلى الأبد …
دق قلبها لسماع هذه الكلمات … و هزت قدميها فرحا ولكنها تمالكت نفسها وقالت …
  • وأنا كذلك ولكن تحقيق هذا الأمر يحتاج إلى الكثير أليس كذلك؟
  • نعم و أنا عازم على أن أفعل كل ما بوسعي لنكون معا 
  • ولكن هذا سيأخذ وقتا طويلا ، و أخاف أن يحدث …
  • ما رأيك أن نهرب معا؟
  • لا… أخاف من ذلك و ماذا سيفعل بابا إذا عرف وماذا سيحدث مع ماما …
  • لا لن يعرف أحد نستطيع تنفيذ خطتي عند الخروج من المدرسة
  • و كيف نستطيع ذلك و …
إنقطع الخط بدخول أمه لغرفته … فأخفى هاتفه تحت الوسادة و نظر إليها وهي … أخذت تجمع الألعاب من الأرض  و هي تقول له … بابا حبيبي لديك واجبات و فروض مدرسية عليك أن تكملها ، فلا أريد أن أستلم رسالة أخرى من المدرسة تنبيها على عدم أداءك فروضك ، و أنت تعرف أن هذا العام نريد أن تكون الأول على صفك فالعام القادم ستكون في الصف الرابع و يجب أن تكون من الأوائل دائما … لا نريد أن نضيع الوقت في اللعب و مشاهدة افلام الكرتون … هيا بني … 



شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...