بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الخميس، 15 يناير 2015

لهفة ...

By 8:46 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


بعد سهرة ممتعة مع الاصدقاء ... على الفراش كان الإستلقاء ... والمعدة مليئة بما طاب طعمه ولذ مع المشاركة و المسامرة في المساء ...
اخذه النوم لعميق سباته ... و كان الهدوء من حوله ... حتى ساعات الصباح الأولى ... إستفاق وكأنه كان مكبلا بالحرير ... وأثر الراحة على إحساسه مسيطر ...
مضى بعض الوقت حتى خرج من بيته قاصدا ... عمله ... 
تناسى كل شيء في إنهماكه في العمل وبذل جهداً حتى ينهي كل التزاماته المتراكمة كي يتفرغ لغيرها يوم غد ...
طوال الوقت كان يستمع لحديث زميلات له عن نية إحداهن تحضير البيتزا المنزلية ... وهن يتبادلن الوصفات و المقادير وكيفية التحضير ...

حتى صار عقله يردد ... أنا جائع أنا اريد قطعة كبيرة من البيتزا ... الآن هيا بيتزا الآن ... تحدث مع زميل له ... ما رأيك أن نطلب البيتزا على الغذاء ؟

الرفض كان رد الآخر فالميزانية لا تسمح ... فإتجه إلى زميل آخر ... الذي كان قد جهز لنفسه غذاءه ... 
هل يسأل الزميلات أن يحضرن له صحناً مما سيجهزن؟
ولكنه سينتظر حتى الغد!؟ ... وهو يشتهيها الآن ... يريدها الآن ... يحتاجها الآن ...
بيتزا ... حالاً ...
حاول أن يمر على أغلب الزملاء ... لا فائدة ... 
الحل ... ؟؟
أن أذهب لوحدي و أشتري لنفسي بنفسي ...
استأذن من المشرف ... للذهاب الى بائع البيتزا عند ناصية الشارع ... 
بعد جهد جهيد لإقناعه ... وإغراءه بجزء منها ... ووصيته له أن لا تتأخر ... خرج وليس في تفكيره شيء ... إلا تلك المثلثات الشهية المغطاة بالجبن الذائب على ما يحب من مقادير ... وكيف وهي ساخنة تتطاير منها أبخرة شهية الرائحة والمنظر ... حتى يستمتع بخيوط الجبن المتمططة بين كل قضمة و قضمة ... 
وصل إلى الناصية ... و وجد المكان مفتوحا ... و عنده قائمة بأنواع البيتزا الشهية ... فأخذ وقته يتخير أي المقادير سيختار ... هذه فيها بصل وتلك فلفل كالنار وهذه زيتون أخضر و الآخرى أسود ... إستقر أخيراً على إحداهن وطلبها ... رغم أن ما في جيبه بالكاد يكفي تلك القطعة ... ولكن لهفته و رغبته و إشتهاء تلك الخلطة من الطعام أنساه نهائيا ... أنه سيعود الى البيت خالي الجيوب  ... 

أخذ رقما بما طلب ... جلس يراقب المارة في الشارع ... السيارات ... ذاك العامل يجاهد ومجموعته وهم يقودون العجلات ... تلك سيارة فارهة ... و هذه رائحة البيتزا ... تتغلغل إلى حواسه ... كل شيء تنسيه ... تشعره بجوع أكبر ... و إشتهاء أكثر ... و إنتعاش بعد أكلها أكثر فأكثر ... 
أفاق من ذاك الإحساس على صوت نداء برقمه يصيح ...

بلهفة ركض نحوه ، ولا أحد يرى ما يسيل من لعابه و لهفته و ما سيطر عليه من جوع ... سلمه رقمه و إستلم علبة البيتزا وهو لا يكاد يعي ولا يدري من كان واقفا حوله أو من كان يعطيه طلبه ... أحس بدفء اللقاء ... عندما وضع يده على علبتها ... فانتشى و أرتعد وهو يمني نفسه بلقاء إحساس التّذوق بأحلى طعم و أطيب إشتهاء لطعام ... تنهد ... و...
إتجه نحو الباب مسرعاً ... ليلحق بموعد عودته لعمله ... و يداه لا تفارق  حرارة البيتزا داخل العلبة  ... وقف عند المخرج زحزح الغطاء ونظر إليها ... محمرة شهية ... مغرية زكية  ... فرحاً لا يكد يصبر على أن تستقر في جوفه مروراً بكل خلايا التّذوق في فمه ... مسرعاً إتجه نحو مكان عمله ... وقف ليقطع المسافة إلى الجانب الآخر من الطريق ... تفكيره مع لعابه الذي يسيل ... تسرع ... تقدم  ... حتى أنه لم يسمع صوت المنبه للسيارة المسرعة فصدمته ... صدمة قوية ... قفزت من يده علبة البيتزا عاليا ... وأخذت تدور ... و تدور ... و إنفتح غلافها ... وإذا بها تخرج من علبتها و تتطاير حتى سقطت على إحدى السيارات المارة في الإتجاه الآخر ... و إرتمت العلبة الفارغة على قارعة الطريق ... لم ينتبه صاحب السيارة المنشغل بهاتفه ... و إستمر في القيادة و الإبتعاد عن المكان و البيتزا على سطح سيارته تبرد رويدا رويدا جراء تعرضها للريح ... و تتناثر حبات الزيتون من عليها ... تنزلق من مكانها ... ولكنها تعلق في هوائي السيارة فتبقى هناك ... و تخرج السيارة من المدينة ... إلى أطرافها ... و البيتزا لا تزال معلقة و قد تفتت و تطايرت مقاديرها و أصبحت قطعة من عجين فاقدة لكل مقاديرها التي تجعل منها صالحة لأن يطلق عليها اسم بيتزا ... و ما بقي عليها الا بعض آثار صلصة الطماطم ...


شكراً ...
أكمل قراءة الموضوع...