بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الخميس، 27 أكتوبر 2016

من قصص القطيع...

By 8:50 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





بين الأضلع حُفرت الأخاديد و إنحسرت البطون و خف الجهد بين كل أفراد القطيع … و الوعد من القائد مستمر … أن الوليمة الكبرى آتية و أن موسم الصيد سيكون و فيرا، و ستمتلئ بطونهم وتنتفخ كبطنه تماما … بطنه كإنتفاخ بطن معاونيه … وأقل منها إنتفاخا بطون أولائك الذين يتقربون من معاونيه و زوجاتهم أيضا… 

سُمع عواء تنبيه إقتراب قطيع أبقار وحشية تبحث عن العشب في الجهة القبلية من بقايا البحيرة الملحية… فإستُهلك كل ما في الأجساد من طاقة للخروج و الأعين مليئة بأمل طعم اللحم ينزلق يُلين البلعوم … و الأسنان تقطع ولا تمضغ … الحلق يبلع و البطن لا تشبع… 

وقف الجميع في إنتظار إشارة من كان بينهم ببطن كبيرة … وما أن حدد الهدف بأضعف فرد بين البقرات الوحشية لا يملك قرونا و لا يبدو أن له علاقة بالقطيع وطيدة … منزويا عنهم مبتعدا بحجة أن نفسيته كئيبة لمنع قائد القطيع له من التزاوج مع إبنته الوحيدة… 

حتى تسلل الجميع خفية بين الحشائش و الصخور تربصا بتلك اللحمة الوحيدة … أقتربوا من تحقيق الأمل … والحظوة بليلة سعيدة… وشبعة بطن فريدة…

من بين الأشجار أخرج الجوع ضبعا يعض على لسانه ولعابه غزيرا على فكيه يسيل ، والأمنية أن يترك الذئاب شيئا يملأ فراغ أحشائه من تلك الطريدة…

إنتبت الأبقار الوحشية لتحركات من أهلكهم الجوع متأخرا فأخذ كل منهم إلى نجاته الحوافر على الأرض يضرب … ولا يدري ما يحدث لغيره حتى تشتت القطيع وإنفرط سربه وإرتفع الغبار وفقد الجياع طريقهم بين كل تلك الفوضى بحثا عن ذاك الهدف المفقود… 

و ذاك المنبوذ من البقر خاطب إبنة الرئيس، أخذ يشاهد ما يحدث وهو يضحك … فلم يكن بإستطاعة أي من الذئاب أن يركض بالسرعة التي تمكنه من اللحاق بذيل بقرة سمينة أو كما بدت لهم هزيلة… 

فهؤلاء أعياهم الجوع وأضعفهم… و أولائك أبطأتهم البطون و أخّرت… و حتى الضبع كان على الذئاب في شبعته معتمد…

وما أن إتضحت لذاك الهزيل الصورة… حتى صاح في القطيع مناديا بالإجتماع وإعادة تشكيل السرب… و تقديم من كان بقرونه وقت الراحة يتباهى… حتى يكون للقطيع من الذئاب مناعة… 

فكانت هزيمة الذئاب على يد الجوع وقوة الجماعة…
وعاد الضبع بما أتى به من خيبة ولم يخرج من أمله إلا بإزدياد مجاعة…

إنقضى النهار وسكن الغبار… وإحتفل القطيع بعرس إبنة قائدهم على منقذهم وجامع كلمتهم… و الكل إليه العشب الأخضر يقرب وإليه يتودد… ومنه الصفح يطلب… 

ومازالت بطون تنتفخ وأخرى جلودها على الأضلع تنكمش…


شكراً 
أكمل قراءة الموضوع...

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

تجربتي مع الصعاليك… يوم إهتز الإنسان بداخلي

By 10:02 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 



كانت نومة عميقة جدا، إستأنست فيها مع نوم إعتدت راحته لسنوات، نوم يعرفني وأعرفه… لأفيق باكرا لأجل رحلة العودة إلى المدينة حيث بيتي و أسرتي، نبهني والدي أن لا أسلك ذاك المسار الذي كثر فيه الإجرام وقطع الطريق، ولكنني أكدت له أنني جئت من ذات الطريق وكان أمنا جدا ولا حاجة للقلق، وهو أقصر بكثير من أي طريق ملتوي تفاديا لتلك المنطقة، نستعمله في أوقات الضرورة.
إتصل بي والدي فأخبرته أنني الآن منطلق للعودة إلى طرابلس وسأكون هناك بعد قليل، ولشدة قلقه وخوفه كان يكرر الإتصال كل عشر دقائق ليطمئن.
بعيد آخر مكالمة تطمينية وفي لحظة مباغثة أغلقت سيارة الطريق أمام السيارة التي تسبقني مباشرة... وقبل أن ندرك ما حدث، سيارة أخرى سدت الطريق من خلفي...
تفحصت حولي لأتأكد ما الذي يجري... ولم أرى إلا وجوها مقفهرة في ثياب عسكرية مدنية بزي شعبي مع بنادق من الأكتاف تتدلى... 
كان السؤال الأول بعد أن أنزلت زجاج السيارة.
من أي مدنية انت؟
وما أن أجبته حتى فتح الباب ووضع يده على كتفي وهو يسحبني من السيارة بهدوء ويقول، أنتم أحبابنا وأصحابنا.
كأنني فقدت الإحساس حينها وأنا أعرف ما الذي يحدث، ولكن كان كأنه إستسلام لواقع معلوم... الحكايات في الذاكرة القريبة متراكمة عن من إختفوا فجأة ومن ثم ظهرت جثتهم على قارعة الطريق ملقاة هامدة…
تجمدت الأفكار، عندما أجلسوني في كرسي سيارتي الخلفي، وأمرت أن أغطي وجهي بثيابي، وكأنني طفل مطيع، بلا مقاومة ولا عناد فعلت.
هل سيجد أبي الإطمئان عندما يتصل الآن؟
ذكر الله أكبر... لا إله إلا الله... تداخل كل شيء بكل شيء، لم يعد هناك صورة واحدة ثابتة... أصواتهم خافتة ولم يمضي الوقت حتى أدخلت لغرفة جدرانها الصمت، والوجه مغطى...
كالتائه في صحراء الحيرة أنصت أحاول إستراق السمع لعلي أعرف أين أنا وما الذي يجري.
لم يمضي وقت حتى سمعت صوتا من خلف الباب يأمر بأن أغطي وجهي من جديد... لتتحرك السيارة مسافة بدت قريبة.
حديث متقطع، أصوات صفقة تعقد!؟ تسليم وإستلام؟ أهو أمر مدبر تدبير؟ أم هي صدفة اللهم إجعلها خير!
دُفعت إلى غرفة أخرى في مكان آخر أكثر ضجيجا، لابد أن الليل قد حل الآن، ولعل النوم زارني في فراشي الليلة ولكنه لم يجدني حيث إعتدنا اللقاء، لعله الآن عني يبحث في أماكن معروفة له... وكيف له أن يجدني في مكان أنا لا أعرفه.
على ذات الأمر إنتبهت صباحا، قبل أن يدخل صاحب الصوت بأن أغطي وجهي وكذلك مجددا فعلت...
لتتحرك السيارة من جديد لوجهة أخرى لا أنا ولا نومي نعلمها.
كيف هو أبي الآن يا ترى؟ أمي أبنائي زوجتي.
التسليم هذه المرة كان مختلفا عن المرات الأولى، فتلك كانت ترحيب بهذا الصبي المطيع، أما هذه المرة على ما يبدو كان إستقبال المشاغبين، الذين لابد لهم من تأديب وتربية، لم يتعرض وجهي يوما لصفعات كهذه، لم تستقبل بطني وأحشائي مثل هذه اللكمات من قبل... وإن كنت تصارعت مع أطفال الجيران في صغري، ولكن أن تنهال عليك الأيدي ضربا والعين معصوبة واليد مكتوفة... هذا ما لم أختبره أنا وجسدي حسا قط من قبل...
لم يسبق لخيالي في السبعة والخمسين عاما التي مضت من عمري، أن مر به، أن أيدي أجهل ملامح أصحابها في مكان لا أعرفه... من كل إتجاه لا أراه... تنال مني ما تنال في أماكن لم أتوقع يوما أن تلمسها يد بشر ...
وليت أذني صُمّت عن سماع ما تلفظت به ألسن الشياطين... لم يسلم من سبهم وشتمهم حتى الخالق سبحانه ... 
توقفت هناك النفس ... وزادت حيرتها... ما الذي يريده هؤلاء الصعاليك...
أخطر ببالي حقا أن أسميهم صعاليك حينها، أم كنت خائفا أن يسمع أحدهم أثر حديثي لنفسي!؟.
خشيت أن يحدث هذا... 
حقا خشيت... ولم ينتهي الأمر حتى عصبت عيناي وشد وثاق يدي ببعضهما وأجلست غرفة لم أرى إن كانت مضيئة أو مظلمة... 
الليلة... أتراه يجدني... أتراه كف عن البحث... أترى للقمر ضوء الآن؟… سأحاول النوم لعلي اجده ويجدني...
مددت قدمي وإنطرحت محاولا إستدعاء النوم... وها هو يأتي ... ولكن
ليس هذا النوم الذي أعرف... ليس هذا النوم الذي إعتدت... وإعتادني... هذا نوم جديد ... نوم من نوع آخر ... نوم من أثر التعب... تعب اللكمات والضرب والإهانات ... نوم الجوع والعطش... نوم ... ايجدر بي ان اقولها... نوم قضاء الحاجة حيث أنت ويداك مقيدة... نوم الهرب من أفكار كثيرة... 
طعام لم يكن بالإمكان تسميته طعام... ماء ... قليل أو لا ماء...
إعتاد الحبل على معصمي والعين معصوبة ... الوقت فقد مني الإحساس به... صباح أم مساء... كم مر يوم على وجودي معصوب العين مكتوف الأيدي؟… إن كنت أنا من وجد هناك... كمّ كبير من الأسئلة التي لم أجد لها تعريف في كل ما عرفت من كلمات…
حتى فتح الباب وعاد الإحساس بالوحشة والخوف من ركلات ولكمات وشتم وسباب إستمر دون توقف لم استطع حسابه... ليقال لي... خذ تحدث مع والدتك... وإياك أن تظهر ألما او خوفا أو فزع... أنت بخير وكل شيء على أحسن ما يرام...
أخذت السماعة بيدي وكنت أتمنى انني لم أفعل... 
سمعت الصوت وليتني لم أسمع… إهتز بداخلي ذاك الذي صغيرا ربته وبالحنان أغرقته… خوفا تمالكت نفسي... خوفا أردت أن أصرخ ... أردت أن... أبكي ... ولكنها أمي… لابد أن قلبها علي بتقطع… و عقلها يتلاطم… أنا بخير… وقطعت المكالمة قصيرة...
زاد فيها القيد على رقبتي خنقا والثقل على قلبي وزنا ولم أنجوا من بقية الحصة لأكون تسلية للشياطين...
مرت الأيام متساوية... متشابهة كثيرة الجوع والعطش... قليلة النوم... كثيرة العفونة والقذارة...
أسمع أحدهم تارة يقول... ياله من مقرف قذر... إغسلوه أو أخرجوه من هنا... 
أقول في نفسي كلاهما خير... ولكن لا أنا الذي أغسل... ولا أنا الذي أخرج… ولا أنا الذي…

وما أن يفتح الباب وتبدأ اللكمات والركلات حتى أعرف أنه موعد الحديث إلى أمي... حتى بت أتمنى أن لا أفعل ولا أتحدث معهم أبدا ... 

كم الساعة الآن؟ لا أدري ولا اليوم ولا التاريخ به أشعر... ما الذي ينوون فعله بي؟
أتراهم يقتلونني وينتهي بي الحال جثة على ناصية أحد الشوارع ملقاة لا يهتم لها إلا الذباب؟ أو في الأحراش وبين القمامة والقاذورات بي الحال ينتهي؟…
أم هم صعاليك تجارة ينتظرون إفتدائي بما طلبوا من مال؟
لن أقول أنني تمنيت الموت... لأن ما بالقلب من إيمان، يمنع ذلك ولا يقترب منه... ولكن كان الأمل بالله والرضا بما قسم الله من إبتلاء…
غاضب أنا الآن مما حدث ويحدث... غاضب من هذه العقول السمجة وتصرفاتها ... ولكن مايفيد غضبي الآن ... وأنا أعيش في زريبة لا يسكنها أحد غيري... مستقبل مجهول ... وحاضر أكثر غموضا ... 
كم إنقضى حتى الآن من العمر في هذه الغرفة؟ كم مضى على وجودي هاهنا ... كم وكم ... 
لم أرى وجها من هذه الوجوه التي تنفث الغضب والسم بأنفسا كريهة كلما تحدثت ... لم أرى أيا منهم ولم أستطع الرد على شيء... 
وكان حظي أنهم وجدوا صورا لي في رحلة الي إحدى الدول... لينهالوا علي بالضرب والسب والشتم... لماذا؟
لأنني أستمتع ببعض المال وهم لا يستمتعون بشيء... لأنني وجدت فرصة للسفر وإستطعت التقاط صور وإستمتعت في حياتي... 
كان يوما مميزا من بين تلك الأيام التي لا تنسى... كنت في نظرهم حينها... آكل لارزاقهم ظلما وعدوانا... كنت في نظرهم العدو الأول والسبب الرئيس في عيشهم حياة الفقر والبساطة... كنت أنا سبب كل ما هم فيه مما هم فيه... 
وعلى قدر ما تسببت لهم فيه... كان عقابهم لي... اليد مقيدة... والرأس بكيس مغطى... ولعلك بت تعرف الآن كيف كانت رائحة المكان الذي بقيت فيه مدة لا أعرف مداها... 
لعلك تعتقد أن ما يحدث كان مؤلما…
ألم ... كلمة لم تعد ذات معنى ... لفقرها في التعبير عن ما حسست به وإختبرته وبه مررت... 
ليلة من تلك الليالي المعدمة ... التي تصالحت فيها مع النوم الجديد... إعتاد بعضنا بعضا... وعرف مكاني ... فتح الباب دون مقدمات... لأسحب وأجر إلى الخارج ... لم أستوعب ما يحدث... أهي نهايتي، قضي علي؟ سياخذونني لمكان آخر؟ لما يخرجونني الان؟
لا أعرف أكثر من أنني وضعت في صندوق السيارة الخلفي وتحركت السيارة... 
إلى أين؟ 
هل سيجدني أحد المارة بالصدفة جثة هامدة؟ هل ...
إنقطعت التساؤلات ...
بأن أخرجت من الصندوق وأمرت أن أقف عند ناصية الطريق... 
إنتظرت رصاصة تصيب رأسي... كنت منكمشا بداخلي منحنيا في وقفتي منكسرا في نفسي... أنطق الشهادتين في إنتظار قبض الروح برصاصة...
بقيت هناك برهة... سمعت فيها صوت السيارة عني تبتعد... ماذا أفعل يا ترى... أزيل رباط عيني؟ 
أبقيه...
لم أعرف إلا ورائحة مألوفة راودتني كدت أنساها ... إنها رائحة أمي... أتت مع توقف سيارة فتح بابها وسمعت صوت أخي يقول...
إركب بسرعة إركب...
كمن يهرب من الموت إلى السيارة إندلفت بثقة فهذا صوت أخي و رائحة أمي... والرأس خافضا أبقيت... أصبحت الرائحة أقوى الآن ... يا الله إنها في الكرسي الأمامي تجلس... أخي يقود السيارة...
إنتهى الكابوس؟ إنتهى الرعب؟ أمي بخير؟ لم أتلقى في راسي رصاصة ...
كيف حدث هذا... كيف بداء وكيف وصلت إلى هنا... ما الذي حدث… كيف إنتهى.. 

عدت إلى أهلي وبيتي... وقد كلفت عودتي ما كلفت ... دفع لأولائك الصعاليك لشراء حريتي وإطلاق سراحي وإعادتي لاهلي... 
قال أبي... يهون مال الدنيا كله من أجل سلامتك يا بني... الحمد لله أنك بخير...
لا أعرف يا أبي... لا أعرف إن كنت بخير...
وَمِمَّا لا شك فيه أبدا... أن نومي الذي أعرفه ويعرفني تاه ولم يعد يجدني... ولا أدري إن كنت سألتقيه مجددا عن قريب أم لا … 


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

عندما تحدثت الأطياف...

By 2:28 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 


في غرفة لم يدخلها شعاع شمس منذ مدة... بصيص نور يسرق لنفسه مدخلا من ثقب بستائر شرفتها.. يسقط على خدِ جسد على الفراش طريح، متلاحقة أنفاسه من نهايتها تقترب والقلب خافت النبض جريح... تتقلب العين تبحث في سقف الغرفة عن أفق.. واليد ممدودة بلا حركة تُحنّيها التجاعيد بشكل صريح، لا صوت في الغرفة غير صوت ذبابة عند الزجاج عالقة تبحث لنفسها عن مخرج لتهرب من هنا وتستريح.



إذا بأطياف أفكار وقدرات ومواهب تتسرب إلى الغرفة وحول السرير تجتمع، تقف تنظر إليه تتأمله، تراقبه.. وأعينهم بالملامة والتساؤل مليئة، وبالغضب مشتعلة.. لماذا؟ لماذا احتجزتنا ولم تطلقنا؟ لماذا حبستنا في عقلك ولم تسرحنا؟ لماذا منعت عنا الحياة؟ لما فعلت ذلك بنفسك؟

نظر الجميع لبعضهم والحزن يملأ أعينهم...
تقدم طيف كثيف من رأسه وانحنى عند أذنه كي يسمعه جيدا وقال: أتذكرني؟ أنا فكرتك المميزة التي كان الأجدر بك أن تكتبني كتابا، أو تنشرني مقالا أو تدوينة ليقرأني ويستنير بي ولو إنسان واحد، ولكنك خجلت وتكاسلت واستهزأت بنفسك وقللت من شأنها ولم تمنحني الحياة لأخدم هدفا.


أبقيتني في فكرك أتقلب حسرة حتى أصابتني القروح، وها أنت على فراش الموت ولن أطمع في الولادة منك بعد الآن وكلي جروح.


نظر الطيف إلى طيف إحدى قدراته العلمية وأومأ إليه، فاقترب وتعابير وجهه بالامتعاض مليئة، ولم يرغب في الحديث، ولكن البقية شجعوه ودعوه أن لا يكتم قولا.


فقال بتردد غاضب، منذ زمن ما عدت أنتظر منك شيئا، فقدت الأمل بعد كل التجارب التي مررت بها معك، كنت تستطيع فعل الكثير بي، كنت تستطيع الاستمرار في دراستك وتحصيل علوم أدق، كنت تستطيع تحسين حياة ذاك الطفل عندما احتاجك، كنت تستطيع تغيير حياة ذاك الشاب أيضا، ولم يتطلب منك الأمر كثير عناء، كنت أعرف أنك بي تستطيع تحقيق ما يحتاج، كان بإمكانك فعل الكثير ولكنك ركنتني وحبستني وأهملتني واثاقلت إلى الأرض، أهدرتني ومعك سأذهب هباء كما أنت.


ربّت طيف صوته على كتفها ليقطع أنين البكاء، وأخذ مكانها قائلا: كنت وسيلتك لإيصال كل هذه الأفكار، ولكنك أسكتني، في حنجرتك وبين شفتيك حبستني، كنت لك صوتا مدويا إذا ما استعملتني، ولكنك كنت كل مرة تخجل وتبلع لسانك وتطبق شفتيك وتتركني في الظلمة أصرخ بلا حيلة، كنت موقنا أنني أستطيع أن أعبر وأخبر وأبيّن للناس كل ما حملت من أفكار مميزة لم يحملها غيرك.


نظر إلى طيف فكرة كانت في أقصى الغرفة منزوية والدمع يشق أخاديد على خديها. كنت أستطيع إخراجك للعالم، إن سمح لنا، ولكنك تعرفين جيدا أنه لم يفعل، رغم كل مراودتك له وإصرارك عليه. أسكتني ولم أجد شفاهه بي تتحرك، وماذا بعد الآن؟ عشت في صمت مطبق وكل ما أردت الجهر به سيدفن معك.. إلى الأبد؟ يا لها من حياة أرخصتها.


اقترب طيف حلم من أحلامه الذي كان يراوده أعواما طويلة، مسح على جبهته بعض العرق المتصبب منه وقال: كنت أتمنى أنك بذلت جهدا أكبر في ملاحقتي، كنت أحتاج فقط إلى بعض المجهود لأتحقق، كنت أنجزتني وأصبحت عندها واقعا ملموسا وليس فقط حلما خافتا سيرحل الآن معك كما جاء. ليتك سعيت وجاهدت واستمررت في المحاولة ولم تستسلم وتتهاون وتخضع لكل أولئك المحبطين المشككين فيك وفينا.. لكنت الآن أجوب العقول وأغير حياة الكثيرين. ليتك حققتني، ليتك لاحقتني، ليتك بذلت جهدا أكثر.. ولكن لا فائدة الآن، فها أنت تحتضر وستسلم الروح لننتهي نحن وكل الفرص التي ضيعتها لتترك أثرا في هذه الحياة.. تنتهي أيضا.


نظرت لكل الحاضرين وهي تقول: ظلمتنا معك.. نعم ظلمتنا معك، حتى بسمتك كانت معنا مظلومة.


ماذا بعد؟

ها نحن نجلس حولك وما بالأيدي حيلة، مُنحت الكثير وامتلكت الكثير من القدرات والأفكار والمواهب، ولكنك لم تستغل وجودها، لم تستغل وجودنا والتهيت في توافه الأمور، ونحن ننتظر أن تنتبه لنا وتمنحنا الحياة... أينفعنا الحزن والندم الآن؟


وقف طيف الشجاعة الذي كان يقف عند الباب، تقدم من الفراش وقال وهو يكظم غيظه: يعرف الجميع كم كنت راغبا في أن أكون سببا في خدمتكم، راغبا في أن أنطق وأصرخ وأتحدى كل ما واجهك، أردت أن أرد على أولئك التلاميذ الذين ضايقوك في المدرسة، أردتك أن تتوقف عن الخوف من الكلاب، أن تخبر والدتك أنك لست من كسر التحفة، أن تخبر والدك أنك أنت من أفسد هاتفه، أردت أن أتعاون مع فكرتك وتقديم مشروعك وإنجاحه، كنت أريد أن أقول الحقيقة بحق ذلك الأستاذ الخبيث، أردت أن أتصرف في مواقف كثيرة، ولكنك لم تعطني الفرصة بهربك واختفائك السريع كل مرة، لأجدني عاجزا عن التصرف، مدفونا بداخلك في صمت، وليتك لم تك تلقي باللوم على الآخرين على ما تفعله أنت، ليتك منحتني الإذن لأعترف بذلك.


رغم كل ما امتلكت، فإنك منعتنا من الحياة، ولم نسمع صوتك ولم نقرأ لك الكتاب الذي راودتك فكرته وأردنا أن تنشره ولكنه بقي مدفونا فيك ولم تكتبه، كغيره من الأفكار.

امتلكتنا في حياتك وكنا رهن إشارتك، ولكنك خفت النجاح، خشيت المواجهة، أرعبك الفشل، كنا لك وحدك، كنا بين يديك، ولكنك لم تفعل بنا شيئا، ولم يكن لأحد غيرك أن يمنحنا الحياة ولم تفعل، بل اخترت عيش حياة راكدة محطمة، كل ما فعلته فيها هو الأكل والشرب والاستهلاك والنوم.. عشت تابعا للآخرين سلعة لهم، وها هي النهاية، فهل رضيت الآن بما حققت في حياتك؟ هل اكتفيت من الخضوع والتردد والتبعية؟


لم تتمالك شجاعته نفسها وانهارت على الأرض باكية، لم يعد لديها ما تقول. عينه إلى السقف مشدودة تنظر في لا شيء هناك بأفق السقف محدودة.. وقفت الأطياف أفكارا وخواطر وقدرات ومواهب وصوتا.. نظر كل إلى الآخر نظرة أخيرة، نطق فيها الصوت قائلا: ليتك أحييتنا عندما كان بإمكانك ذلك، ليتك أطلقتنا ولم تسلمنا لألم الحسرة والانتظار.

شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

العمق في التفكير...

By 8:47 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



رفع يده عاليا وهو يسكب الشاي في ذاك الكوب الزجاجي الصغير، حتى تناثرت قطراته وتصاعدت من الكوب رغوة كزبد البحر أبيض،  إرتفعت الفقاعات مشيرة إلى أنه كوب شاي بطعم  عتيق…


  • قال أوسطهم ألم أقل لكم أنه مخطط مدروس وأن النتائج باتت واضحة؟
  • فقال الثاني أنت تهذي، و هذيانك أوقعك في تحليلات خاطئة لا تمت للواقع بصلة فقد غاب عنك أن جماعة الحفرة الزرقاء يعملون ليل نهار على تعميق حفرتهم و يمارسون عملهم بإجتهاد وأنت الآن صورتهم وكأنهم عملاء متوقفين عن العمل ينتظرون ...
رد أوسطهم مباغثا له في الكلمات... 
  • أنت ترى أنهم يفعلون ذلك وأنا أقول لك أنه مخطط، هم أرادوا أن تفكر و تصل إلى هذه النتيجة لأنهم يسعون للسيطرة على عقلك وإيهامك أنهم يعملون من أجل التعميق ولكن الحقيقة أنهم يحفرون لك و لنا جميعا فخا سنسقط فيه جميعا إن لم نفق  وننتبه لهذا المخطط
  • قاطعه الثاني وقال أنت من سلم عقلك وإستسلم و لم يعد يفكر ولا يعرف كيف يفرق بين الواقع و الخيال، و عيشت نفسك في وهم ركبت عليه وبنيت عليه جملة من الأوهام التي ضيعت منك خارطة الواقع و جعلتك هدفا سهلا لكل من يرفع شعارات براقة.
  • سترى قريبا و يتضح لك أن جماعة القبعات هم من يدافع عنك و عن الجميع، وإن كنت أنت ترى أنهم يسعون فقط للحصول على منافع شخصية و مصالح تعادي كل فائدة ستعود على الجميع دون إستثناء، فأنت حقا لا تفقه شيئا ولا تدري في أي أرض تعيش… 
  • أتذكر تلك الحادثة التي راح ضحيتها عشرات الشباب؟ 
  • أي الحوادث فهي كثيرة جدا، حدد
  • فعلا هي كثيرة، ولكن تلك الحادثة التي هجم فيها أصحاب القبعات على جماعة الحفرة الزرقاء…
  • قاطعه مباشرة…
  • ذاك كان خطأهم أنهم إعتدوا على منطقة غير منطقتهم…
  • ولكنهم لم يبدأو الهجوم بل كانوا يبحثون على بعض المجرمين، و يسعون للقبض عليهم وساقتهم الآثار إلى تلك المناطق…
  • وإن يكن، كان لابد أن يتم التنسيق لأجل ذلك… أنت تتعامى عن أفعالهم ولا تريد الإعتراف بأنهم مهزومين مخادعين، يسعون فقط للتسلط و التحكم في الآخرين دون إعارة أي إهتمام للناس ومصالحهم وحتى أرواحهم…
  • إحترم نفسك ولا تسيء الحديث، فهم سبب قدرتك على الحديث منذ البداية، ولولا الله و جهدهم و ما بذلوه لكنت الآن تصفق كما إعتدت أن تصفق ويبدو أنك مازلت تصفق و على إستعداد للتصفيق لأي من يقول أنه سيعطيك ما تريد…
  • لقد تجاوزت حدودك ولا يمكنني السكوت على ما تقول أكثر من ذلك… تتهمني بالنفاق؟
  • أنت من تضع نفسك في هذه المواقف بتصرفاتك 
إلتفت أوسطهم إلى الثالث و قال : 
لما لا تشاركنا الحوار و تحكم بيننا؟ أم أنك لا يهمك شأن البلاد و ما آل إليه حال العباد؟ 


فتنحنح الثالث في جلسته و وضع يده على ذقنه وأخذ يفرك لحيته... وبدا عليه الإهتمام والعمق في التفكير والتعمق في التدبير وقال...

منذ البداية وأنا أفكر وأحاول أن أجد حلا لهذا السر العجيب…
رد الإثنان معا متسائلين… و هل وجدت الحل؟
فقال بهدوء أزعج الإثنين معا… 

الحقيقة لا… فلم أفهم بعد أين تذهب فقاعات الشاي بعد أن تتصاعد في الكوب و تبقى قليلا ثم تختفي… أين تختفي لا أدري… لم أجد الحل بعد...


شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 9 أكتوبر 2016

أغنى رجل في العالم...

By 7:28 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




- تعال إسمع هذا الخبر من مجلة فوربس … أتدري كم هي ثروة بيل جيتس لهذا العام؟ 
- لا أعرف من هو بيل جيتس ولا شأن لي به.
- أحمق أنت؟ هذا أغنى رجل في العالم الست تستعمل الكمبيوتر و نظام التشغيل الوندوز؟
- لا أنا أستعمل جهاز آبل 
- إذا تعرف ستيف جوبز؟ هذا الرجل معجزة حقيقية وهو من أوائل مؤسسي الحواسيب الشخصية 
- لا حقيقة لا أعرف ولكن أسمع عنه أنه من مؤسسي شركة أبل 
- أنت تبالغ ، لا يهم إسمع هذا الخبر 
- بلغت ثروة الملياردير الأمريكي بيل جيتس الثمانية و سبعين مليار دولار ليصنف كأغنى رجل في العالم و يليه الملياردير الأمريكي أيضا وارن بافت و تقدر ثورته بـ…
- وماذا بعد أن عرفت أن أغنى رجل في العالم يملك قدرا من المال لا يمكنه إنفاقه؟ 

نظر إليه مشدوها وهو يحاول إكمال الخبر ولكنه عدل عن ذلك، أزاح هاتفه جانبا و أخذ رشفة من كوب القهوة و إستأذن منصرفا… وهو يهز رأسه مستغربا من عدم إكتراث صديقه بما يحدث في العالم … 

وقف في محطة الحافلات منتظرا… أخذ يقلب هاتفه من صورة لصورة حتى وجد نفسه واقف في الحافلة مضغوطا بين الواقفين… ولم يكد يخرج منها دافعا بأخر ما تبقى في جيبه من نقود… حتى إستنشق نفسا عميقا أزاح عنه روع ما إحتمله من روائح داخل الحافلة المضغوطة بالبشرة في هذا الحر الشديد…

دخل البيت متجها نحو المطبخ مقلبا الأواني الفارغة متفحصا الثلاجة الخاوية، يتمتم بكلمات إحتجاج على فشل محاولته الحصول على شيء يسد هوة تُشعره بألم الجوع…

سألته والدته عن ما إذا كان قد وجد عملا يجني منه ما سيملأ الثلاجة و يحمي الأواني؟ 

هز كتفيه وأشاح بوجهه مختفيا في غرفته مستلقيا على فراشه… أخرج هاتفه، وأخذ يقلب الصفحات بحثا عن أخبار أغنياء و أثرياء العالم… 

شكراً...




أكمل قراءة الموضوع...