بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الثلاثاء، 8 مايو 2018

اليوم يا أحبابي سأحكي لكم قصة...

By 10:02 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


اليوم يا أحبابي بنحكييلكم قصة حلوووة حتحبوها ، فهلل التلاميذ وإستبشروا أن الحصة اليوم لن تكون مملة بالنقل من كتابة المعلمة عن السبورة لينتهي الوقت قبل أن يكمل أي منهم ما كتبته... وما أن رأت المعلمة علامات الفرحة على وجوههم... أخذت كرسيها وجلست والكل منتبه منصت في إنتظار القصة... وفي ذهنها تحاول تصوير القصة حتى تبسطها لهم ليفهموا المغزى منها ولا تحكيها لهم بإسلوب أكبر من أعمارهم... فأخذت تعابير وجهها في التغير والتبدل، وعينها في الكبر والصغر بالتحديق والإغماض، ويديها في الحركة بوصف الأحجام والأماكن وهي تحكي قصتها... 

كان يا ما كان في قديم الزمان... قبيلة كبيييرة من النمل تعيش في وسط الغابة الكبييييرة ، و كان عددهم كبييير جدا بالتأكيد تعرفون النمل وأعداده الكبيرة،  تعمل وتجد طوال اليوم... عمالها يجمعون كل طعام يجدونه في طريقهم، وأي طعام يخبرهم به النمل الكشاف، تعرفون أن هناك نمل كشاف يخرج ليستكشف الطعام ثم يعود ليخبر العمال ليتم جلبه وتخزينه كما كان هناك نمل حراسة ونمل رعاية منزلية وكل الوظائف، وكان من بين النمل نملة نشيييطة جدا وتحب العمل، هي أول من يفيق نهارا وآخر من ينام ليلا، وهي من يحث الجميع على النشاط والعمل... وفي يوم من الأيام تصادف لقاء النملة النشطة بنملة متكئة على جانب الطريق تركت العمل ولا تفعل شيئا... ووجه المعلمة يرسم علامات الإستغراب وتغير صوتها وهي تقول... لماذا لا تعملي أيتها النملة؟ ماذا هناك هل أنت بخير؟ 
لترد النملة بإهمال بالغ وكسل واضح، لا حاجة لي بالعمل فالطعام موجود في كل مكان ولست بحاجة لتخزينه كما تفعلون، أنتم تضيعون وقتكم فقط، وأنا أفضل أن أستغل وقتي في الإستجمام والإستمتاع بالحياة، ألا تري أن الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها متعة بعيدا عن العمل والشقاء طوال اليوم ألم تملوا؟
فردت عليها النملة النشطة قائلة، ولكن هذا الطقس لن يستمر طويلا وسيأتي الشتاء ولن نستطيع الخروج عندما تهطل الأمطاااار وسيصاب الجميع بالجوع ولن نستطيع العيش إن كنا سنفعل ما تفعليه أنت... 
أفاق من نومه أحد التلاميذ عندما ضحكت المعلمة ممثلة ضحكة النملة الكسولة وهي تقول... إفعلي ما شئتي ولكنني واثقة من نفسي وأعرف ما أفعله ويكفيني ما أحصل عليه من راحة ولعب أنت محرومة منه... وأنصحكن قالت مخاطبة للنملات الأخريات أن لا تضيعن وقتكن وتعالين نتسلى فالحياة فيها أكثر من العمل والبقاء طوال الوقت بين الحفر و الدهاليز... فما كان من بعض النملات إلا أن نظرن لبعضهن البعض وإخترن اللحاق بها هربا من العمل وهربا من الالتزامات والمسؤولية التي كانت على كاهلهن... فأخذت النملة النشيطة تحاول منعهن وتخبرهن أن يبقين يدا واحدة وأن قوتهن في إجتماعهن وأن تفرقهن سيسبب في كارثة كبيرة للقبيلة كلها ولن ينجوا أحد، لابد أن تتوحد جهودنا... وأخذت ترجوهن وترجوهن ولكن كان العدد في تزايد لمن ذهبن للتسلية وترك العمل... 
لاحظت المعلمة أن الملل دب في أعين تلاميذها فأخذت تنهي القصة بسرعة وتختصر حتى قالت...
وفي يوم من الأيام، غابت الشمس بين السحب وأصبحت السماء رمادية وأضاءت السماء بالبرق وسمع صوت الرعوود بوووم... وهطلت الأمطار فإكتشفت النملة الكسولة ومن معها أن النملة النشطة كانت على حق وأن الوقت فات وأنه ما كان يجب أن تتفرق كلمتهم وكان يجب أن يبقوا مع بعض ويعينوا بعضهم البعض حتى ينجوا جميعا...
لم تجد المعلمة أي حماسة من تلاميذها فتوقفت عن الحديث وقالت ما رأيكم في القصة يا تلاميذي الحلوييييين؟
ولكن وكأن التلاميذ كانوا في فترة قيلولة لم تصدر عنهم أي ردة فعل مما أصاب المعلمة بشيء من الإحباط، حتى رفع أحدهم يده مستأذنا المعلمة بقول كلمة... فأشارت إليه أن يقف ليقول ما يريد... فإلتفت له الطلبة بكسل وملل بالغين... 


وقف التلميذ هندم نفسه نظر مباشرة للمعلمة ثم إلتفت للتلاميذ وقال ... قصد المعلمة أن تقول يا أصدقائي وزملائي الطلبة ، أن من جد وجد و من زرع حصد وأن الله أمرنا بأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق وإن تفرقنا فإننا سنضعف وسيسهل النيل منا...

عندها صاح الفصل ، ايوا هو هكي الكلام ما كان قلتي من الأول يا أبلة هكي فهمنا مزبوط ، لكن كبيييرة و حلوووة هذا إسلوب متع بيبيات نحن ثانية إبتدائي راهو مش صغار ... 


شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 7 مايو 2018

حفل التخرج...

By 11:14 م
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته



على السرير ممد أخذته عنهم بعيدا غيبوبة، ورأسه بالجبس معصوبة... أنابيب تخرج من فمه ممتدة إلى أجهزة إنعاش والساق معلقة في الجبس مغروسة، واليد في مستواها أيضا معلقة محبوسة... لا يبدو منها إلا أصابع لا تتحرك ولكنها بما ألم به لم تتأثر... والصمت في الغرفة إلا من صوت طنين الآت النبض ، وأمام الباب يقف صديق العمر في أسى متحسرا على ما آل إليه حاله وإحساس الذنب يثقله.
لم يستطع مواجهة نظرات أم جالسة بجانب إبنها والدمع جمر من عينها يتهاطل... باقة الورد بجانب السرير لم تغني عنه شيئا ولم تفد...
إلتفت عائدا والدنيا تبدو حملا ثقيلا على كاهله ولا يدري ما الذي أوصلهم لهذا الحال ... وإذا به يلتقي والد صديقه عند المخرج وقد عرفه، صديق إبنه الذي يرقد على الفراش بين الحياة والموت ... شعر بأنه صغير جدا أمامه ولم يستطع حتى النطق بشيء وماكان من الوالد إلا أن إستمر في طريقه والصمت يلفه بأسى...
صعد السيارة وكان أصدقائه في إنتظاره...
فقال أحدهم : طمنا إن شاء الله خير كيف حاله توة؟
وكذا إنحنى الآخر من الكرسي الخلفي متسائلا ، طمنا شن صار ...
رمقهم بنظرات جارحة حزينة ولكنه لم يقل شيئا ... وأنطلق يقود السيارة نحو الكلية ... وما أن ركن ونزل الجميع منها حتى وجدوا بقية الأصدقاء في الإنتظار لمعرفة حال زميلهم ووضعه ، فتجمع جمع منهم حولهم يسألون...
شن صار؟ طمنا؟ وين في أي مستشفى راقد؟
سألوا الجميع ولكنهم لم يجدوا أي رد فتوجهوا له مباشرة  فوقف وقال
باهي توة عاجبكم شن درنا في الراجل توة هكي؟ معقولة مستقبل الولد ضيعتوه؟ وعلى خاطر شني؟
غير إستهدي بالله تقدم منه أحدهم قائلا، إستهدي بالله تعال طمنا شن صار معه ما تخلعنا توة تقول ضيعتوا مستقبله مش ناقصين رعايش حني...
تي شن شن صار معه الراجل هونا ملوح في المستشفى مجبس راسه ورجليه ويديه وما يندري على الدنيا وين ، تي والله كان شفت أمه ولا بوه الي ما قدرت نرفع عيني فيه وتمنيت الدنيا بلعتني لما تلاقيت معه في الباب
لالا قصدك تلاقيت مع بوه؟ شن قالك بالله؟
شن بيقولي بالله عليك ، يوم جاي بيفرح بولده نرقدوهوله في المستشفى؟ و على خاطر شني؟
فإذا بأحدهم يقفز من مكانه معارضا معترضا غير مبال بما يحدث وما يقال ، تي بالله فكنا من الجو توة ما تكبرش الموضوع الي يسمعك يقول فجرناه بعبوة ناسفة ولا رميناه بأربيجي ... كلها كلها نبو نفرحوا بيه زيه زي غيره شن فيها يعني كان صحابك فرحوا بيك؟
تفرح بيا ترقدني في المستشفى؟ هكي الفرح هو؟ تي شن تقول أنت بعقلك ولا!.
بعقلي امالا شنو وزيه زي غيره وكان تبي الحق هو إلي دار الجو وما خلاها تمشي زي الناس الثانية هونا كلها فرحت وتخرجت وما صار شي وكل واحد كلا ما كتب ربي وجوه مليح وما قعدوله منها إلا الصور والذكريات المليحة ، تي فكونا من جو الحنية متعكم وعيشوا حياتكم مش أول ولا أخر واحد...
تي بعقلك أنت ولا واخذ حاجة؟ تي الي صار هذا لا قال به العقل ولا قال به الدين ، أنت عارف النبي عليه الصلاة والسلام شن قال على حاجات زي هذه ولا؟ أكيد تعرف ولا نذكرك؟
ايح اطلعلي فيها شيخ توة ... هي بالله أنستو بعض الدوة معكم غير زايدة انتو حتى الجو المليح بتخششو فيه الدين بطلعلهولي حرام توة ...
أكمل جملته وإنصرف ملوحا بيديه غير راض عن مجرى الحديث دون أن يلتفت وهو يتمتم . قلبوهالي دراما توة الناس من يومها ادير في الجو وتستمتع به كل حاجة فيها جو بيطلعوهالي حرام تي فكني منك بالله أنت وياه ... وتبعه بعض الحاضرين أيضا موافقينه فيما قال ...
إقترب أحدهم متسائلا ، توة قلت النبي تكلم على الحاجات هذه نورنا بالله عليك ، الحق ما عندي فكرة أنا نشوف في الجماعة كلهم الي يتخرج يوتوله في طبخته زيه زي غيره وهذه طقوس التخرج بصراحة من يوم خشيت الجامعة وأنا نشوف فيهم يديروا فيها أنت بس توة طلعت قلت شن قال عليها النبي قولي شن قال
ايه توة دير روحك ما تعرفش امالا تقرا في الكلية ومازالك سيمستر واحد و تتخرج شن قاعد ادير؟
والله الكلية ما يقروش فينا شن قال الرسول ولا شن قال ربي ...
ماهو الحاجات هذه بدور عليها بروحك ما تراجيهم يقروهالك في الجامعة وكان أنت ما تعرفش أهو نقولك إن أهم قاعدة فقهية من قواعد الإسلام تقول لا ضرر ولا ضرار
وشن تطلع هذه لا ضرر لا ضرار ، ضرر نعرفه إنك تضرر يعني تتسبب لك في ضرر ولا
لا ضرر ولا ضرار هي قاعدة من أصول الفقه وهي في حديث للنبي يقول فيه (ما رواه مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار.) 
يعني بالفلاقي  لا تضر نفسك ولا تضر غيرك ، وأي حاجة فيها ضرر لك ولا ضرر لغيرك يعني تجنبها وما تجي جيهتها مهما كانت و الحمد لله ديننا دين جلب مصلحة وإبعاد المفسدة...
نحس فيك بديت تتكلم زي الشيوخ بجديات ، قال له ممازحا ... وهو يضحك
و الله إلا حالة جديات راه ، أنت لو شفته كيف راقد على السرير ومكسر وفي غيبوبة وأنت تعرف علاش صار فيه هكي؟ مش يوجعك بالله عليك؟ قال وهو يحدق في عينيه... منتظرا منه إجابة...
والله الحق يا سمير يوجع هي الواحد كان بيفرح بتخرجه ومناقش مشروعه ومتكم رويحته يطلع منها تقول كلب من كلاب الرابش مخلطة عليه زيت على دحي على تراب ماناقصه إلا الجرب ويولي كلب رابش جديات مش خريج فرحان بتكميل قرايته وبيستقبل الحياة قدامه... تي حشمة حتى قدام عويلته والله ، إمالا بنات القسم الي يتفرجوا فرحانات...
فتدخل أحد الأصدقاء وقال تبو الحق يا ولاد و الله إلا موضوع أبصر كيف راه إلي صار مش في الحسبان بكل من قال خونا وصاحبنا توة بين الحياة والموت وحني واخذينها لعب وضحك، وهذا غير كلنا نعرفو أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده على قولتك ، والحق أنا لحقت عليه بكم ضربة على عنفقته وروحت لكن ببجديات مش عارف كيف ... قالها بضحكة ممزوجة بحزن
المشكلة توة هذا الي مقتنع أنه جو مليح وأنه ما يبي يفهم ، والله كان يقدر حد ياخذ يرفعه يشوفه ملوح على الفراش في المستشفى ويعرف شن معناها انك تلعب اللعبة هذه ...  
ايح ما إقتنع الا هو ربي يستر والله الأسبوع الجاي قالوا في مشروع تخرج كان ما يصير معه العملة نفسها...

بعد بعض أشهر من تلك الحادثة...

على السرير ممد ، رأسه معصوبة والعين محلقة بهالة بنفسجية غامقة  وأنابيب تخرج من يده وكيس الدم معلق والساق معلقة في الجبس مغروسة واليد في مستواها معلقة مكسورة ... لا يبدو منها إلا أصابع لم تتأثر... بما ألم به والصمت في الغرفة ، وبجانب السرير يجلس ذات الصديق محاولا مواساته بما أصابه بسبب إحتفال أصدقائه بتخرجه كما أصر هو على الإحتفال بتخرجهم ولم يستمع لصوت العقل والنصيحة وتركهم مغاضبا، وها هو الآن يردد ... بصوت خافت... أي والله صدق رسول الله ، لا ضرر ولا ضرار ... لا ضرر ولا ضرار ... نزلت دمعة من عينه وهو مازال يردد لا ضرر ولا ضرار ... رفع إصبعه وقال لا إله إلا الله محمدا رسول الله .. لا ضرر ولا ضرار ... 


شكراً...

أكمل قراءة الموضوع...

الجمعة، 30 مارس 2018

ثقافة وحضارة مع صورة جمالية...

By 10:53 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


وضع ساقا على ساق وإتكأ على كرسيه ملتفتا بشقه الأيمن لصديقه قائلا وهو يرشف رشفة من فنجان قهوته المسائية المعطرة بماء الزهر... هل أنت مرتاح في حياتك مع زوجتك وأولادك؟ ، مستغربا في سؤاله قال، بالتأكيد حياتنا هادئة هانئة ولا نشتكي من شيء، ولكن لما السؤال؟ 
لا لشيء قال وهو ينفض يديه وينظر حوله بعد أن أعاد فنجانه مكانه ، ولكن تبدو حياتكم كئيبة رتيبة ليس فيها إثارة وكأنكم تعيشون في القرن الماضي أو الذي قبله، حتى ملابسك تبدو عتيقة لا تتماشى مع مكانتك بين الناس... زوجتك لا يبدو عليها السعادة ولا أولادك يبدو أنهم يعيشون حياتهم كما بقية أقرانهم... لا أرى تحضرا ولا يظهر أنكم تهتمون بأنفسكم أمام الناس، بل تعيشون حياة الفقر وعذرا في هذا الوصف ولكن تعيشون حياة التخلف عن البقية... 

وما الذي دعاك لقول ذلك يا ترى؟ قال مرتبكا محاولا إيجاد رد على كل ما علق به، وهو يمرر شريط ما يعرف من حياة صديقه أمامه متذكرا سيارته الفارهة التي يملك هو ثمنها وثمن أفضل منها، وتذكر زوجته الأنيقة الفاتنة وكيف تلفت إنتباه كل من تمر بجانبه ، وإبنته الزهرة المتفتحة الجميلة وكيف تبدو متحررة ونشطة تعيش يومها ، كما تذكر بيته العصري المليء بالتحف والغرف الفسيحة والإلكترونيات ، حتى أنه لديه مصعد في بيته وثلاجته ببابين كبيرين يمكنك حتى أخذ ماء بارد دون فتحها... وذاك المساعد الألي الذي تحدثه فينفذ طلباتك... وحديقتهم الخضراء التي لا تشبه حديقته... ناظرا إلى نفسه مقارنا نفسه به، وهو يسمع في نفسه أنه لا يعيش كما يجب، أنه ليس متحضرا ولا يعيش حاضره فعلا، وقد رنت كلمات صديقه في أذنه...

فقال صديقه ، أنا أعرفك جيدا أنت إنسان لا ينقصك المال وبيتك أكبر من بيتي ولديك من الإمكانيات أضعاف ما لدي، وإبنك في رعيان شبابه، ولديك زوجة جميلة ولكنها تبدو عتيقة المظهر كمن خرجت للتوة من مسلسل قديم، وإبنتك التي لن يلتفت لها أحد مادامت على ما هي عليه... الحياة فيها الكثير يا رجل إستفد مما لديك من مال، إستثمره في تطوير نفسك وتحسين جودة حياتك وكلي أكيد أنك تملك المال الكافي لذلك وأكثر، ولكنك تحتاج فقط لبعض الجرأة لكي تخرج من قوقعتك، وتغير من صورتك أمام الناس وتزيد حياتك حياة... وتطور من نفسك من أسرتك... يمكنك ذلك...
كانت كلمات صديقه ترن في عقله كما لو كان طنين جرس ضخم له ترددات يهتز لها جسده كاملا وترتعد بها أطرافه... وحساباته تجري بأرقام ومقاسات وأبعاد... أخذ رشفة من كوبه وربت على يد صديقه وقال... أراك لاحقا... 
إلى أين أنت ذاهب لم تكمل قهوتك بعد... 
رفع يده محييا له دون أن ينطق بشيء ... أخذ سيارته وإلى بيته إتجه... 

بعد بعض أشهر من تلك الجلسة... وصلت بطاقة دعوة مغلفة تغليفا راقيا أنيقا، قال الرجل لزوجته... ما رأيك هل نذهب؟ 
نذهب لمن؟ لا لن أذهب فلقائهم ممل وزيارتهم تغمر القلب بالحزن وكأننا نذهب إلى مأتم، لن أذهب... وإن بدت البطاقة راقية جدا وأنيقة، شككت أنها تكون منهم ، هل أنت متأكد أنها من صديقك ذاك؟
نعم... هي منه والدعوة لنا معا... لا أعرف سببها ولكنه يدعونا لحفل عشاء يقيمه في بيته، ولم يذكر فيه مناسبة...
وما يمكن أن تكون المناسبة يا ترى؟ أشك في أن هناك شيئا يستحق أن أجهز نفسي وأتعب لأراه...
لا أعرف، ولكن آخر مرة إلتقيته كنت صريحا معه وأخبرته عن حاله وأنه يعيش حياة كئيبة رتيبة... قاطعته زوجته قائلة... ويحك أحقا فعلت هكذا مباشرة أخبرته بذلك؟ لا يمكن أن تفعل!  
بلى فعلت ، وأذكر أنه حينها أخذ بعضه وإنصرف ولم نكمل الحوار، وكنت فقط أريد أن أراه بحال أفضل من هذا التزمت الذي هو فيه... 
لا أعرف كيف أتتك الجرأة ولكن يبدو أن تأثير كلامك معه أتى بنتيجة... إن كان الأمر كذلك، لابد أن أذهب لنرى ما حل بهم...
حسنا... نذهب... هل نأخذ لهم هدية؟؟ 
بالتأكيد سأتكفل أنا بذلك لا عليك أنت... 

عندما وصل الرجل وزوجته أمام سور منزل صديقه... قال لزوجته... هل لاحظتي كيف تغير السور ولونه وحتى أنه قصر وأصبح فيه فتحات أنيقة ، يكاد يكون البيت بلا سور؟ يبدو أن هناك تغييرات طرأت... الإضاءة في البيت تبدو مختلفة تماما ، فأكملت زوجته قائلة... متأكد أنه بيتهم؟ لا يبدو كما كان، فهذا بيت بطراز عصري أنيق جدا... 
بالتأكيد متأكد وفعلا كانه ليس هو... 

فتح الباب ليدخل وزوجته لتستقبلهم حديقة خضراء يكسوها العشب،  والإنارة في كل مكان مخفية تعكس ضلال الشجيرات وجلسة أنيقة بمظلة وسط الخضرة ، ورائحة الياسمين والفل تنعش الروح... وصديقه مرحبا بكامل أناقته مرتديا بدلة من طراز راقي بربطة عنق زهرية والإبتسامة تعلوه ... ومن خلفه أتت زوجته تسير ببطء وهي تطلق أمامها إبتسامة عريضة ترحب بالضيوف ، والرجل وزوجته ينظران لبعضهما البعض والزوجة لا تقدر على إغلاق فمها مما تراه ، فقد كانت تستقبلهم صاحبة البيت بلباس أحمر قصير مكشوف الكتف وبدت كأنها شابة في السابعة عشرة بتصفيفة شعرها المميزة جدا، وإبنتهم ذات السبعة عشر عاما تقدمت هي أيضا وإنحنت بهدوء محيية الزوجين وهي ترتدي بنطولنا ضيقا ، وقميص قصير يظهر شيئا من بطنها وكتفها أيضا مكشوفة وشعرها الطويل متدلي حتى خصرها... إنحت الزوجة إلى زوجها... لولا أني متأكدة أنهم هم لقلت أننا في زيارة لأوروبا ولسنا عند صديقك الذي أعرفه... لا أفهم شيئا... ولكن هل رأيتي كيف يمكن لأحدهم أن يغير من نفسه ويتطور، يبدو أننا بحاجة للتغير نحن أيضا... قال ممازحا...

جلس الجميع في صالة الإستقبال الفاخرة التي تم تحديثها مؤخرا وكانت من الفخامة لدرجة أنك تستطيع رؤية وجهك في الأرضية لشدة لمعانها ، وكل تلك الخطوط الدقيقة والتفاصيل الجميلة... والثريا المعلقة تتلألأ أضواءها تنعكس على الخيوط الذهبية المحددة للسقف تزيد الجلسة بهاء... إقتربت الخادمة التي ترتدي زيا أنيقا فاخرا جدا... وقالت بهدوء... العشاء جاهز تفضلوا... 
قام الجميع إلى مائدة طعام طويلة بكراسي ملكية وقد غاب عقل الضيفة في أطقم الطعام والملاعق والأكواب... وقلبها يكاد يذوب في كل تلك التفاصيل التي إكتملت بوجبة عشاء وخدمات كأنها فندق سبعة نجوم... 

خرج الجميع للجلوس في الحديقة تحت المظلة وكانت الجلسة معدة متكأ والفاكهة والمكسرات مجهزة، والزوجة تقول لزوجها... وكأننا في حلم... لا أصدق ما يحدث مازلت...
جلس الجميع وأخذ الزوجين يتحدثان ويتجاذبا أطراف الحديث، لتدخل صاحبة البيت وإبنتها بعد إشارة من زوجها... لتطفأ أنوار الحديقة ومن ثم تضاء بقعة أمامهم بألوان مختلفة تتراقص... ويسمع صوت لحن موسيقي يأتي من محيط الجلسة، ليتحول اللحن الهادئ تدريجيا إلى لحن شرقي بالعود والطبل... ليفاجأ الضيفان بخروج المضيفة وإبنتها في زي رقص شرقي وأخذن يرقصن رقصا شرقيا منظما ومنسقا وكأن هناك مدرب خاص دربهن، وقف الضيف على إثره وأخذ يصفق بحرارة وزوجته تنظر مشدوهة غير مستوعبة لما يجري وهي تجاري زوجها في التصفيق... وصاحب البيت يجلس مزهوا في طرب وفرحة أنه حقق تطورا وتحضرا وصورة جمالية فاقت توقعات صديقه...

شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 17 مارس 2018

الإعتصام...

By 10:20 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




إستغرب عميد القرية عندما أفاق مفتقدا بعض الأصوات التي إعتاد سماعها عند إستفاقته كل يوم حتى أنه شك في أن يكون قد فقد السمع، قفز من فراشه عن النافذة أزاح الستار، ليلقي بنظره خارجا، لتؤكد عينيه أن سمعه بخير ، فليس ثمة ما سيصدر الأصوات وليس ثمة قطيع ولا راعٍ يقوده إلى مرعاه ... 
نادى على زوجته قائلا... هل مر الراعي مبكرا اليوم على غير عادة؟ 
لتقول قبل أن تجيبه ، إفطارك جاهز ، نعم؟ قالت متسائلة ، لا لم يمر أحد لابد أنه في الطريق الآن ، ليس من عادته أن يتأخر... هيا قبل أن تتأخر أنت على عملك...
لابد أن هناك خطب ما ، فلم أسمع ولا أرى أثرا للراعي والأغنام اليوم، سأمر عليه لعله يشتكي مرضا ويحتاج من يلازمه ويساعده... 

كانت الخراف في حظائرها في كل بيت ، كان من المفترض أن يمر عليه الراعي ويخرجها معه إلى المرعى... وأهالي القرية يتساءلون عنه وما الخطب وكيف سيتصرفون وأغنامهم تحتاج للرعي ، وكيف سنطعمها الآن!!... هل سيتبرع أحد بأخذ مكان الراعي ، هل سأترك عملي وأتفرغ لرعي الأغنام الآن؟ تعالت الأصوات والتساؤلات وقد أخرج كل منهم أغنامه وتبع عميد القرية الذي كان يلقي بالسلام ويقول لكل من قابله... أنا ذاهب لتفقده لعله أصيب بمرض ما أو أصابه مكروه، لا ندري... 
وما أن وصل الجميع إلى بيت الراعي عند آخر القرية حتى وجدوه جالسا على كرسيه وكلبه مددا بجانبه وأغنامه هو أيضا في حظيرتها... 
فسأله عميد القرية قائلا... خيرا إن شاء الله لا تبدو مريضا أو بك سوء هل من خطب ما منعك اليوم من الذهاب بالأغنام إلى المرعى كعادتك؟
فقال الراعي بهدوء تام ، لن أذهب إلى المرعى بعد اليوم وليذهب كل منكم بغنمه بنفسه...
تعالت الأصوات بالتساؤلات ، كيف تقول ذلك وأنت تعرف أننا لدينا أعمال نحتاجها جميعا وتحتاج منها أنت أيضا، ومن يعرف المرعى أكثر منك ، نحن لا نجيد التعامل مع الأغنام كما تفعل أنت... وهل سأترك زوجي المريض وأخرج بالأغنام لوحدي؟ ... وماذا عن أحوال القرية أنتركها لأجل رعي أغنامنا؟ 
رفع يده ليصمت الجميع ... وقال ... إن كنتم ترون أهمية عملي وضرورته لإستمرار أعمالكم... لماذا تبخسونني حقي وأجرتي إذا؟ رضيت بالأجرة المتدنية لسنين ولكن ليس بعد الآن...
دهش الجميع مما قاله وإلتفتوا إلى عميد القرية منتظرين رده على ما قال الراعي... 
فقال عميد القرية دون أن يلتفت إليهم ... أهذا كل ما في الأمر؟ ألم نعدك بأننا سنزيد في أجرتك وعقد الإتفاق!؟ 
وعدتم نعم ولكن هل زادت الأجرة؟ لا لم تزد ولم تتغير ظروف العمل وأرى أنك زدت نعجة جديدة مشيرا إلى أحد الحاضرين وهذا لم يكن إتفاقنا ، أنتم لا تدرون ماهي ظروف العمل عندما تكون مسؤلا عن القطيع كله هناك في البرية ومحاولة البحث عن مرعى أفضل ، من أجل من؟ إليس من أجل خرافكم؟ ورغم أنني أعجز عن توفير أساسيات حياتي بما تعطونني من أجر، إلا أنني أعمل دون توقف وأبذل جهدي كاملا ، فقاطعه العميد قائلا ، ولكننا إتفقنا على زيادة الأجر ... وأنت وافقت ولم تعترض حينها...
نعم إتفقنا ولكن أين هي الزيادة؟ لم أرى شيئا ، ولن أعود للعمل حتى أرى ما سيكون أجري...

إلتفت عميد القرية لأهالي القرية المتجمعين خلفه وإحلولقوا وأخذوا يتهامسون ، والراعي يناظرهم من بعيد يحاول جمع طاقته وخبرته كلها في أذنه حتى يسمع ما يتهامسون به ، وهو يرى علامات التعجب والإعتراض والتصبير والموافقة والإنزعاج تتناقل بين وجوه المتحلقين... ولكنه لم يستطع الخلاص إلى نتيجة حتى ، إنفضت الحلقة وإقترب العميد منه وخلفه أهل القرية وقال ، حسنا إتفقنا على زيادة أجرتك بما طلبت دون تأخير ، ولكن شرطنا أن لا يحدث هذا الأمر مجددا ، وأن لا ينقطع المرعى عن خرافنا مهما حدث ، أراد الراعي المقاطعة ولكن العميد أوقفه وقال ، إلا إذا كانت هناك ظروف قاهرة جدا كالبرد والمطر ... فصمت الراعي وشعر بإرتياح لقبول أهل القرية وهو يقول في نفسه ، خيرا فعلت أن أوقفت العمل حتى إنصاعوا لما أريد... وكان يجدر بهم أن يزيدوا الأجر دون اللجوء إلى تعطيل أعمالهم ومضيعة الوقت على خرافهم أيضا...
صاح أحد أهل القرية ، إليك الخراف إذا ولنعد لأعمالنا... الوقت مازال مناسبا للخروج ، وقد وفرنا عليك جمعها جميعا وهي عندك الآن... 

عاد أهل القرية أدراجهم وهم يتحاورون عن ما حدث وكيف أنه فرض عليهم أن يزيدوا أجره ، وكان بعضهم مرتاحا لأنهم وجدوا الحل وأنه سيأخذ خرافهم إلى المرعى ، ليعود كل منهم لنمط يومه المعتاد... وهم يرون الراعي يسير بالقطيع نحو المرعى... فشعروا بإرتياح أن المياه عادت لمجراها ... وشكروا عميد القرية على حكمته وقراره ... وقد إقترح أحدهم أن يقيم له إحتفالا لهذا النجاح... ولكن البعض الآخر إعترض لإنشغاله وإن كان عميد القرية أهل لذلك وأكثر... 

بذات الإستغراب وزيادة أفاق عميد القرية وهو ينتظر سماع صوت القطيع وأجراسه ولكنه إفتقده... فوقف أمام النافذة ولكنه لم يرى قطيعا ولا راعيا ولا لهم أثر في الطريق قادمين أو مارين ... فخرج قاصدا بيت الراعي ، ليجد أن خرافه ليست في مكانها ، وكذا وجد أهل القرية كل يفقتد خرافه ليرافق عميد القرية إلى بيت الراعي أيضا ... حتى وصل الجمع ليرى مشهدا غريبا أوقفهم مكانهم...

فقد كانت كل خرافهم مجتمعة في ساحة الراعي والراعي وكلبه يحاولان حثهم على الخروج ، ولكن بدا وكأن الخراف متحلقة بينها وبين بعض وتناقش أمرا مهما ، أو هكذا بدا للجميع... وما أن رأى الراعي الجميع أتاهم كمن يطلب النجدة... 
تعالوا لينظر كل منكم لخرافه إنهم يرفضون الخروج إلى المرعى ويرفضون التحرك من مكانهم رغم كل ما فعلت... 

فسأله أحدهم وكيف إجتمعوا؟ 

فقال الراعي لا أدري أفقت كالعادة لأجمع الخراف من حظائركم... وجدتهم جميعا على هذه الحالة ، ولكنني عندما أردت قيادتهم كما العادة رفض القطيع التحرك أو الإستجابة لكل محاولاتي لحثهم على التحرك ، حتى أن الكلب عجز وتأخر هو أيضا ... 

سيطر الإستغراب على الجميع... وكل منهم ينظر إلى خرافه ليتأكد أنها متواجدة ومحاولا فهم ما يجري... وإذا بالجميع يقفون مشدوهين لتقدم خروف دونا عن البقية ، ليقف أمامهم جميعا... كمن يريد إلقاء كلمة...

فإستدار الراعي ووقف مع أهل القرية بجانب عميدها... وهو ينظر مستغربا كالبقية... حتى قال الخروف...

لن نخرج بعد اليوم إلى المرعى مع هذا الراعي الكسول الذي لا يؤدي واجبه ولا يقوم بما يقوم به إلا طمعا فيما تعطوه من أجر، فإن كنتم تريدون أن نرعى ونسمن ونعطيكم حليبنا ولحمنا وصوفنا ، فإننا نطالب بمعاقبة هذا الراعي لأنه لا يأخذنا إلى المراعي الصالحة للأكل، بل يتحجج ببعدها وبالتعب وبثقل المسئولية وكثرة المهام ويمضي يومه في أرض قاحلة لا تحمل إلا القليل من العشب الذي نجد أنفسنا مضطرين لتقاسمه حتى نستطيع الإستمرار فيما نفعله لتجدوا فينا شيئا من اللحم عند الحاجة أو بعض الحليب ، ولكن ليس بعد اليوم، إما ان تأتونا براعٍ يخاف الله ويؤدي واجبه على أكمل وجه أو أننا لن نخرج إلى المرعى أبدا وسنعتصم ونضرب عن الطعام... ولتبحثوا لأنفسكم عن قطيع جديد لا يكون مثلنا... 


شكراً...



أكمل قراءة الموضوع...

الأربعاء، 28 فبراير 2018

فرانشيسكا وإفطار الصباح بمقهى نهر السين...

By 10:22 م
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته 


بلا إستئذان تسللت أشعة الشمس لشقتها الصغيرة المطلة على نهر السين الذي يمر بجانب أشهر معالم مدينة الأضواء...
وما هي إلا لحظات حتى كانت فرانشيسكا الفتاة الشابة ذات الثمانية عشر عاما ، برقة في شوارع باريس العتيقة تتمايل في مشيتها ... قاصدة المقهى الصغير الذي على النهر يطل... وقطرات الندى حولها تتناثر تنعش الأنفاس... 
متباهية بما ترتديه مما لم تصل له صرخات الموضة بعد... 
جلست لكرسيها المفضل الأكثر حكما على منظر يتوسطه برج أيفل وخلفه المدينة وأفق شاسع من الزرقة... وهناك قرص الشمس يكمل الصورة... 
وكعادته كل يوم مر الشيخ بيير قائلا بونجور يا حلوتي اللطيفة... لترد عليه كالعادة برفع يدها وهز أصابعها الدقيقة الرقيقة وابتسامة شفافة رقراقة وتقول بنجور عمي بيير وتزيد عليه بقولها كيف حالك اليوم... يوم جميل أليس كذلك... 
ليبتسم الشيخ بيير ويقول قشطة يا إبنتي قشطة... ويمضي في طريقه لأخذ جريدة الصباح... 
يأتي النادل والإبتسامة المعتادة مرتسمة على شفتيه لأجمل من تردد على المقهى... واضعا منديلا على يده ليقول... بونجور أميرتنا الفاتنة فرانشيسكا... لتبتسم في خجل وتقول أرجوك لا تفعل هذا... أنت تحرجني... تربح... 
أنت أميرتنا بلا شك... المعتاد؟ قال لها متسائلا عن طلباها لهذا الصباح...
بإبتسامة إمتنان خفيفة أومأت بالإيجاب ...
لينصرف النادل وتطلق هي بصرها في الأفق تفكر في تحقيق حلمها بالسفر ورؤية مدينة أحلامها وهو ما تفعله كل يوم كجزء من طقوسها التي تتهيأ بها ليومها الذي لا تعرف مجرياته لأن أيامها لا تتشابه في أحداثها ونهاياتها...
تطايرت العصافير حولها مع إنطلاق صفارة أحد القوارب السياحية التي تجوب النهر... 
وإذا بالنادل يقطع إنسجامها بوضع طلبها حيث تريده أن يكون دائما وبالترتيب الذي ترغبه وإعتادته ... لتطل عليه بإبتسامة تشحنه ليوم عمل كامل ... 
بونابيتيت قال لها بمرح وإنصرف...
إعتدلت في جلستها وأخذت قنينة الزيت الصغيرة التي أحضرها النادل وسكبت منها على ما بالصحن من مسحوق ومن ثم رشت بعضا من السكر بالقدر الذي تفضله... 
رفعت كمها وأبعدت الأسورة وأخذت تخلط المزيج بأصابعها الدقيقة حتى صار جاهز القوام كما تحب ... قبضت حفنة وأخذت تضغطها بين يديها الرقيقة حتى صارت متماسكة ... بالقدر الذي يمكن أن تتناولها فيه برقة... 
أعادت الكرة في القبض على حفنة أخرى والضغط عليها حتى تصبح متماسكة وتتناولها... 
حتى فرغ الصحن... وهي في قمة المتعة والإنسجام ...
كانت دائما تتخيل نفسها في المكان الذي تحلم بالسفر إليه وهي جالسة في العراء ومعها الزاد وهي تغرف وتضغط المسحوق وتأكله كما يفعل أهل تلك البلد... تحلم أن تعيش مثلهم ترتدي ملابسهم تأكل طعامهم ، هيأت نفسها لتكون مثلهم... معجبة بكل ما لهم... ثقافتهم أفراحهم كلامهم... 
فرحة أن ما تهواه و تحبه من أكلات توفر في مقاهي باريس قريبا منها...
وإذا بمن يجلس مقابلها يرمقها بنظرات إستغراب  وتركيز على ما تأكله ... وإذا به يشير إلى النادل ويهمس له... هل لي ببعض من ذاك مشيرا إلى ما تأكله محاولا عدم لفت إنتباهها ...
فقال النادل على الفور... بكل تأكيد... 
أقتربت منها عجوز وهي تقول مثير هذا الذي تأكليه هل لي أن اعرف ماهو؟
إبتسمت وأزاحت حقيبتها عن الكرسي وطلبت من العجوز الجلوس ونادت على النادل قائلة آتنا بصحن للسيدة تريد أن تتذوق ... شعرت العجوز بالفرح والحرج فقالت لا يا بنيتي إنما أردت معرفته لأنه يبدو شهيا... نعم يا جدة بالتأكيد شهي وصحي أيضا أريدك أن تجربي "عشان خاطري" فقالت لها العجوز ماذا تعني هذه الكلمة؟ فقالت الفتاة أنه اُسلوب رجاء عند من إخترع هذه الأكلة فإبتسمت العجوز قائلة "اشان كهاطري" أكيد...
وما أن أتى النادل بالصحن والزيت والسكر حتى أخذت تعلم العجوز كيف تصنع وتآكل ... وكذا فعل الرجل الذي أخذ يراقب خلسة كي يعرف كيف هو الطريق الأمثل لأكلها... 
وعندما سأل النادل عن إسم هذه الأكلة ، أشار النادل إلى فرانشيسكا لتخبره فهي أكثر دراية بذلك منه ... 
فإقترب الرجل بلطف قائلا بونجور آنستي ... بنوجور سيدتي... إبتسمت فرانشيسكا وطلبت أن ينضم إليهم وكذا فعل... بعد أن جلب صحنه ... وأخذت فرانشيسكا تعلمهم كيف يأكلوا هذه الأكلة... وهم في كامل إنسجامهم ، حتى سألت العجوز عن إسم هذه الأكلة قائلة إعذري جهلي يا بنيتي ولكن ما إسم هذه الأكلة اللذيذة؟... فقالت لها فرانشيسكا بأسلوب مهذب ورقيق جدا لا عليك جدتي ، إنها زميتة يا جدة... زميتة...

شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 19 فبراير 2018

جمعة وجاره الحقود...

By 10:21 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



خرج جمعة فارا بنفسه من ضيق العيش بجانب جاره الحقود... وقال له صائحا... "إقعد فيها تو تربح" ...
ولكن جمعة إزداد حنقا على جاره عندما لم يسمع منه ردا أكثر من أنه ألقى إليه بفرد حذاء قديم من النافذة ... فركله ليصدم بابه وأخذ حقيبته وإتجه نحو الطريق الرئيسي المعبد على عكس الطريق الترابي الذي أرهقه وأتعبه وأتعب أنفه...
وما أن وصل حافة الطريق حتى توقفت سيارة نصف نقل نزل منها بعض الركاب ، فقال جمعة للسائق... توصل للمطار؟
فأشار له بيده أن إصعد ، وبما أن الكرسي الأمامي كان مشغولا براكبين ، فما كان لجمعة من بد إلا أن يقفز للصندوق الخلفي لسيارة النقل ليجد غيره من الركاب مرتصين جنبا إلى جنب على ألواح خشبية وضعت ككراسي...
تحركت السيارة ، تململ جمعة وتخضخض وهو يقول في نفسه "يا عليك مرمدة" وإذا بأحد الركاب يضرب أرضية السيارة بقدمه ثلاث ضربات ، ليركن السائق وينزل الراكب دافعا له أجرته... وإنطلقت السيارة من جديد...
مع تعرجات الطريق وإهتزازات الكرسي الخشبي ومشهد السيارات التي تبدو كأنها خراف تتبع أمها... تهتدي بها ...
سرح جمعة في الطريق الذي أخذ يمتد ويزداد طولا كلما تقدمت السيارة ... وهو يفكر كيف ضاق به البيت على إتساعه وجاره يضغط الجدران من كل جوانبه بتصرفاته الرعناء المتسلطة على كل جيرانه العاجزين عن إيقافه عند حده ، وكيف كان يحسده حتى في "حمرة وجهه" ، شعر بأنه كلما إبتعدت السيارة عن هناك كلما إنشرح صدره أكثر لإبتعاد خيال ذاك الجار عنه ... وكأن ضغطه يبتعد يخف فيرتاح هو أكثر ، كانت فكرة الإبتعاد بأكبر قدر ممكن عن حيث ذاك الجار ، وأن يقطع صلته تماما بكل ما له به أي إرتباط أو ذكرى و علاقة وحتى من في هذا البلد من بشر... تراوده منذ مدة...
ضرب أحدهم بقدمه ليعلم السائق أنه سينزل ها هنا ، فإنحرفت السيارة بدون أي مقدمات ليركن يمينا ويهبط الشاب ليتجه نحو السائق ليدفع أجرة النقلة يشكره ويهرول نحو سوق الخضار القريب ...
إنطلقت السيارة لينطلق معها فكر جمعة من جديد في تفكيره وتساؤلاته ، ولكن أين سأذهب؟ ومن سسيستقبلني وكيف سأعيش... لا يهم أذهب أينما ذهبت ، المهم أن أبتعد عن هنا ، أبتعد عن هذه الوجوه الكالحة الكئيبة ، وأجد لي مكانا لا أرى فيه من يذكرني بهذا الجار التعيس ... توقف يا جمعة وإلا ستبدأ في كيل الشتائم والسباب وأنت الصبور الحكيم الحليم ، نعم ولكنه لم يترك لي مساحة أبني له فيها ما يستر من سيول ظلمه و تعديه ، إهدأ ... أنت الآن تبتعد عنه وترتاح أكثر إنسى أمره فكر فيما سيأتي من بعد... أمامك حياة جديدة لا تعكرها بذكرى أشخاص ... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ... مسح على وجهه وسأل السائق من خلال الزجاج الفاصل بينهما... إقتربنا من المطار؟ فرد السائق عن قريب سأقف لك مباشرة عند أقرب نقطة ، فلا يسمح لنا بالدخول إلى المطار نرجو منك السماح...
فقال له جمعة ممتعظا بلا حيلة ... "ولا يهمك ولا يهمك...
كادت سيارة تصطدم بهم عندما إنعطف السائق فجأة دون إنذار مسبق لمن خلفه ... وكاد الجالسين في الخلف يتراكمون بعضهم على بعض ... فصاح أحدهم ... "هيه يا... بالشوية علينا مش سعي نحن" فرد السائق ، "كيف تبيني ناخذ طريق غلط ولا كيف؟ يردو بالهم حتى هم" ... تمتم الرجل في نفسه بكلمات فضل جمعة أن لا يسمعها ولا يعلق عليها فإنكمش في نفسه وهو يدعو الله أن يجد وسيلة للإبتعاد عن هنا ويتوقف عن مشاهدة هذه الوجوه "الكالحة الغبرة" حسب تعبيره بأسرع ما يمكن...
توقفت السيارة وضرب السائق على الزجاج مناديا جمعة ، "المطار ... الي يبي المطار يا" قالها صائحا... فنزل جمعة من السيارة محتضنا حقيبته ، إقترب من السائق ودفع له الأجرة وهو ينظر إلى المطار الذي يبعد عنه بعد سوق الخضار عن حيث ركن سيارته دون توفر "برويطة" ، حتى أنه فكر في إيقاف إحدى السيارات المارة... ولكنه بدأ في السير وقال في نفسه ، "فكنا تو نطيحو في حد حاصل في روحه ونشهد بالله ماني ناقص وكان نلقى تو نتنطر نلقى روحي في مكان مافيه حد من هالقوم" ... وما أن أكمل جملته حتى توقفت سيارة عابرة ، فتح زجاجها وقال صاحبها "ماشي المطار يا أخينا؟ هي أركب نوصلك" فشكره جمعة ولكن الرجل أصر وقال "بلاش والله على رحمة الوالدين ما ناخذ منك شي" فما كان من جمعة إلا أن فتح الباب وصعد السيارة التي إنطلقت وما هي إلا بعض دقائق وكان جمعة أمام مدخل صالة الركاب ... وضع حقيبته أرضا وأخذ يقلب جيوبه ليخرج تذكرة وجواز السفر... نظر لساعته ومن ثم توجه للوحة المعلومات ليرى مكان أخذ بطاقات الصعود...
لم ينتبه جمعة لنفسه حتى سألته المضيفة ما يرغب في شربه ... فقال لها " شاهي نبي شاهي" فإبتسمت وقدمت له كوبا من الشاي شعر أنه مختلف تماما عن ما كان يشربه سابقا ... وما أكمله حتى حضرت من أسماها "قمر في طيارة" وقدمت له طبقا به ما أسماه "عينات طعام" شكر الله وحمده على النعمة...
وإذا به واقف في صف ختم الجوازات... يطالع ساعته كل حين... فلديه رحلة أخرى بعد ست ساعات من الآن وله فرصة رؤية هذا البلد... وكذا فعل حتى جلس مجددا في كرسي الطائرة متجها لبلد آخر وهو يطالع حوله يحاول إيجاد أيا من بني جلدته... وقلبه يخفق وكله رجاء أن لا يكون أي منهم قد لحق به إلى حيث هو ذاهب عنهم بعيدا... بعيدا جدا...
إنشرح صدره خف وزنه مدد قدميه ، شعر براحة لم يستطع وصفها إلا بإبتسامة هادئة بهدوء الطائرة وركابها... ومضيفيها الذين قدموا له الطعام بكميات أكثر من كونها عينات...
إستقر جمعة في فندقه وهو يراقب بحذر يحاول التأكد من عدم وجود أحد ممن فر بنفسه من بينهم ، لا يريد أي شيء يربطه بهم... حتى وإن كان سيعيش في هذا البلد البارد الغارق في الثلوج أغلب أشهر العام... ولكن لا يهم ... المهم أنه لا وجود لجاره الحقود ، ولا لسائق سيارة النصف نقل ، أو صاحب البقالة الذي يمن على أهل الحي بإنتظار ديونهم وتخفيض الأسعار لهم ، أو حتى زوجته التي زاد عشقها لبيت أهلها منذ زواجهم وتريد كل ما حصلت عليه كل جارة من جاراتها ... وشرطي المرور ذاك الذي إستوطن تقاطعا رئيسيا في حيهم... وحتى أطفال الحي الذين لا يحلو لهم اللعب إلا وقت القيلولة "كشياطين الشيشة" كما وصفهم...
هز جمعة رأسه طاردا هذه الأفكار والذكريات التي تركها خلفه عن نفسه ... وخرج مستمتعا بالأجواء يحاول التأكيد على نفسه أنه حقق الحلم ، أنه لا وجود لأي من بني جلدته هنا وإن كان في آخر العالم عند حافته... وزاد إرتياحه مع مرور الأيام والهدوء الذي يعم الأرجاء ... حتى أخذ ينسى مسألة التدقيق وتعرف على بعض أهل المنطقة وبدأ البحث عن بيت يستأجره ويبدأ فيه حياته من الصفر... بداية يمحو بها كل أخطاء الماضي وعثراته في عالم جديد ، وإسم جديد... سأغير هذا الإسم... لا يهم جمعة بعد اليوم... سنجد إسما جديدا...
وقف جمعة أمام بيته الجديد متباهيا بنفسه فخور... بيده كوب قهوة على طريقة أهل هذا البلد... ملفلفا نفسه بمعطف منزلي وفير الوبر... إستنشق نفسا عميقا وأطلقه براحة كمساحة الماء الذي يطل عليه بيته... أخذ رشفة من كوبه وإذا بحذاء يخرج من نافذة البيت المجاور له ليسقط أمامه ... فزع وتأخر خطوة حتى سكب على نفسه بعضا من القهوة... نظر للحذاء القديم الذي لم يكن غريبا عنه ... فإلتفت إلى النافذة التي ألقي منها الحذاء ليجد جاره الحقود قد حصل على البيت المجاور له وهو يقول... والله ما تهون علينا جيرتك يا جمعة...

شكراً...
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 30 يناير 2018

جمال الصدفة … وعمق التواصل من خلف الستار ...

By 10:09 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 




تعليق تبعه إعجاب وعليه تعليق آخر ، رد فنقاش ورسالة خاصة إنتقل إليها الحوار من صفحة عامة ليستغرق نصف الليل ومعه قليل   ... 
إنتهى بسلام ولطيف كلام ورد عليه وعليه رد آخر حتى أخذ منهما كما يأخذ سلام العجائز عند الباب من صبر من في السيارة ليقلهم إلى البيت يأخذ .... 
ولكن النوم سبقهما إلي الجفون فتراخت الأصابع عن الكتابة وسقطت الهواتف ودب في الأجساد السكون ، وسافرت الأرواح في عوالمها لتترك إبتسامة على شفتيها وحماس على ملامحه وشجون ... 

يوم جديد حياة لا تتوقف وإن كنت نائما أو قائما تتنفس... بإبتسامة كانت الإستفاقة واليد للهاتف تمتد والكلمة الأولى تكتب لتأتي شبيهتها في الرد ... صباح الخير وكأنها كتبت بشوق يتجدد...  في ذات اللحظة وصلت ذات الكلمات لكل منهما من الآخر فإبتسمت الشفاه ودق القلب فجاء الرد أيضا بذات اللحظة  ... صباح النور...
عصفت الخفقات بالصدور وإرتعشت الأطراف في حبور ، وبدا اليوم نشيطا في الحضور وأنجزت الأعمال بأسرع مما كان من الأحداث حولهم يدور ، وجدد كل منهم إشتراك الإنترنت بهاتفه ولهفة تسابق الأصابع لتعبئة الرصيد وتسجيل الدخول للبريد 
والبدء في حوار ممتد جديد...
كيف كان يومك جاءها تنبيه رسالة...
إستبشرت فيها حياتها كأن الربيع سبق الخريف ومن الفصول أقصاه... وإختفى من حولها الجميع وأخذت تقلّب الأفكار معه ويبادلها الإتفاق والتأكيد على ما تفاعل بينهم من توافق آراء ووفاق لم يسبق لكل منهما إختبار مثيلا له مع كل من في حياتهم مر...
وإذا بجملة تظهر على صفحتها فيها كمّ من التفاؤل تقول... الصدف أجمل من كل تخطيط ... لا تتعب نفسك في البحث دع الصدف تجد نصفك الآخر... وستذهلك النتائج... وتبدلك خيرا مما فقدت...

وكذا كان الحال مع صفحته... قائلا ... من جديد كأنك بنفسك إلتقيت... ولَم تك تدري أنك كنت عمرا في جسد آخر تعيش...

وبينهم كان بصراحة و وضوح عقد الإتفاق منذ البداية أن الماضي أليم لا نريد له إجترار ولا لسرده بيننا حكاية... 
فلم يسألها ولَم تسأله ، فطعم اللقاء ألذ من تعكيره بمرارة الماضي وأخباره... وفضلا الحديث كتابة لتكتمل كل آثاره ... فتمحورت الحياة منذها في تواصل مستمر على تبادل الاّراء و الحديث والضحك والإنسجام كأن الحياة كلها لا تهم... لا دراسة ولا أشغال ولا أعمال... أسرة أو أصدقاء ...ولا تفاصيل أسماء أو صفات... ولا ماضي يهمنا ولا ذكريات... الآن نحن نعيش الحاضر فقط وتصنعنا أجمل اللحظات ... غاب الجميع من عالمهم وحل مكانه كل شيء جميل... حوارات هادفة أفكار عاصفة... رقة ولطافة ، خفة ولباقة... وإحترام للخصوصيات...
اللقاء أكيد قال لها ولا حاجة للتمديد ... بكل تأكيد قالت والصدر منها ينتفض نابضا بلهفة طفل لأول رشفة من حليب أمه شوقا يزيد...
بقي الكيف و المتى حينها دون تحديد... ولكن الشوق للرؤية جعل الموعد غير بعيد... 

وكان يوم اللقاء ... كل جهز النفس وإستعد ليكون أجمل موعد.. لتبدأ معه بقية الحياة ... حياة يحبها الجميع تزهر فرحا وتنبت معها في جسد روح جديدة... 
جلس في المكان المحدد ... و وضع العلامة التي بها ستعرفه دونا عن غيره وتحدد...

تباطأ الزمن وتسارعت الأنفاس ومعها غلبت اللهفة فطلب كوب قهوة ... لعله يأخذ عنه القلق وما إعتراه من إحساس...
أخذ يخبره عن توتره ولكن يطلب أن يعذره... فتلك أول مرة يجد نفسه مكتمل الإحساس... هناك في جنس مقابل دون إرادة يحتاجه ويطلبه ... هذا هو السكن الذي به النفس تحدثه... وهل يا ترى تكون محطة أخيرة تحتضنه... عن ماضيه تعوضه؟

في طريقها للقاء كانت في الهواء تطير... كفراشة تداعب سطح ماء به دوائر ترسم وعليه فرحتها تنقش...
تشعر بخفة ما شعرت بها منذ كانت طفلة... فقد وجدت من أزاح عنها أحمالا نسيت أنها كانت تحمل... وكأنها لم تعد على الأرض بل باتت هناك في براحات الفضاء نفسها تسبح... لا ضيق ولا خوف ، طمأنينة وأمان... 
هل هذا هو أخيرا الإنسان؟ سألت نفسها وهي تحتضنها وتكاد بها تطير ... 
دخلت المكان وعينها فيه تحوم... بحثا عن قدر محتوم... 
رآى أحدهم يدخل فتظاهر بعدم الإهتمام ولكنه كان مركزا ليرى ملامحه... المخفية بنور الشمس المطل من الشرفات...
شعرت أنها لا تستطيع تمييز أحد من الجالسين... كلهم بدوا متشابهين... 
إقتربت أكثر من وسط المكان فبدت أكثر وضوحا فشعر بشيء من الإنقباض وقابله منها حرج وإرتباك ، تنحنح في مكانه والتفت نحو الباب ، أخذت جانبا وجلست تنتظر ... تظاهرت بأنها تطلب كوب شاي بالليمون عليه يُعتصر...
فوقع في سمعه ذلك فالتفت ليركز فيها كما ركزت أيضا فيه... والعينان بحجم العالم تحدق...
فقال ... أنتِ صاحبة السمو العالي؟ بدهشة ردت... 
أأنت الجدير بالثقة الرجل المثالي؟
هز كل منهما رأسه بالإيجاب أن هذا مؤكد إسمه معلق في صفحته على الباب... رشف رشفة من قهوته وأخذ منها كل ما به أخبرها ودون تردد إنصرف...
مرتعشة طلبت إلغاء طلبها وألقت بدراهم على المنضدة وحلمها في المكان تركت وعنه تخلت...

دخلت لحسابها مسرعة لحضره... وإلغاء كل رسائلها وحكاياته... ولكنه سبقها لذلك وأغلق الباب خلفه وإنصرف...
فما كان أي منهما على إستعداد ليعود لطليقه الذي منه نافذا بجلده فر وانطلق...


شكرًا...
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 29 يناير 2018

ظمأ... دلو و بئر...

By 8:31 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 


بعد طول إنتظار وظمأ طال ليل نهار ، ما أن سمع بوجود بئر ماء قريب ... حتى أخذ دلوه وإتجه لعين المكان الموصوف مسرعا، وقف عنده وضع أغراضه جانبا ، ربط دلوه ولعابه أخذ يسيل أنه أخيرا ... سيشرب ... سيروي ضمأه... 
وقف مكانه أمسك الدلو وطرف الحبل وألقى بدلوه... وكل ما يشغله ويتخيله أن يشرب ... ألقاه فإصطدم الدلو بالتراب ولَم يقع في البئر ولا يلمس الماء كما كان يرجو و يمني نفسه بسماع صوت سقوط الدلو في الماء... 
سحب الحبل وهو يهز رأسه مستغربا ...أعاد أمسك الدلو جيدا ومعه الحبل... ألقاه مجددا ... ولكنه أيضا توقف عند التراب ... أعاد الكرة مرة بعد مرة... حتى أجهد وأصيب بالإعياء وأخذ منه التعب وقارب على فقدان الأمل وسقط جالسا في مكانه... لما لايستطيع أن يوصل الدلو للماء رغم محاولاته العديدة؟! سأل نفسه...
هل هناك مشكلة؟ أخذ يعاين الحبل و الدلو ويقلبه... ولم يكن بالدلو ولا الحبل أي مشكلة... فحدث نفسه بأنه سيعيد التجربة مرة أخيرة... أملا أنها تكون الصائبة...  
وقف نافضا بنطاله مما علق به من تراب، نفض يديه... سحب الحبل وأمسك بالدلو وإستعد في وقفته وهو مصمم على النجاح هذه المرة وإلا فإنه سيعود أدراجه وينسى أمر الشرب ويستمر إنتظاره مع العطش... وما أن حرك يده ليستعد للإلقاء... أتاه صوت من خلفه يقول ... ما الذي تفعله أيها الإحمق؟
لم يلتفت لكي لا يدخل نفسه في مشاكل ورد يثيره ويتطور الأمر وإختار التجاهل وإستعد مرة أخرى رفع يده ... 
ولكن الصوت خاطبه مجدد أنت ما الذي تفعله هنا بهذا الدلو؟ ما الذي تظن أنك تفعله؟
إختلطت الأفكار في ذهنه والتساؤلات تتلاحق تتراص ... هل كان علي أخذ إذن قبل المحاولة؟ هل هو مالك البئر؟ أم هو مالك الارض؟ هل تجاوزت حدودا ما كان علي تجاوزها؟ من يكون هذا المتحدث بثقة كاملة؟ لماذا يصفني بالأحمق؟ 

فأعاد عليه السؤال بحزم أكثر ... قل لي ما الذي تفعله أيها الأحمق؟

عندها فقط إلتفت ليجد شيخا مسنا بلحية كثة كثيفة وحاجبين كادت عيناه تحجب بكثافتهما... وتجاعيد وجهه تكتب مجلدات من تجارب السنين ، يمسك معولا وينظر مباشرة في عينيه ويقول ما الذي تفعله أيها الأحمق؟ 
فرد عليه متفاعلا بشيء من الإنزعاج و الغضب... قائلا لست أحمقا ولا تخاطبني بذلك مجددا أرجوك.

ألقى بالمعول أمامي وقال بل أنت أحمق تحاول إلقاء دلوك في بئر لم يحفر بعد ... ألا ترى أنه ليس هناك أكثر من علامة تقول هنا بئر... إليك هذا المعول ، إبدأ بالحفر إن كنت حقا تريد أن تحصل على الماء ... فلن تحصل على شيء دون أن تقدم له...

شكراً...

أكمل قراءة الموضوع...