بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الخميس، 24 أكتوبر 2013

الوجهة ...

By 9:48 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





تكاد عظامه تتفتت لقلة الحركة ... ركود يعتري جسده الممتلئ بشحوم قلة النشاط و الأكل والنوم ... 
عين على الشاشة و أخرى على الصحن ... يلتفت لصندوق البريد كل حين ...
تذمر من تأخر التسليم الشهري عن موعده... أكيد فكيف سينفق على حياته ...

نظر إلى الزجاجة تأكد أن وجهته صحيحة ... حسبما تشير الزجاجة ...
استمر في الاستلقاء والنظر إلى الشاشة ومشاهدة رجلين يصارع كل منهما الأخر والناس حولهم في حماس ملتهب يصيحون كلما ركله أو أوجعه ...

مد يده للبراد بجانبه تحسس علبة من مشروب الطاقة البارد ... يخيل إليه انه يقطف عنقودا من الفاكهة يبتلعه ممنيا نفسه بالحصول على كل ما يحتاجه جسده من طاقة وغذاء ... 
مع لوح الشكلاتة الغنية بالمكسرات ...

يدير عينه على الزجاجة ليتأكد كل مرة من اتجاهه ... يطمئن أن الاتجاه صحيح 
ويرى انه كذلك ...
طرق على الباب ... من هناك؟... يصيح بصوت مرهق ...
ليرد صديقه أن افتح هذا أنا ... 

فيضغط زرا يفتح الباب تلقائيا ...

بيده كيس بعلب مشروب الطاقة مليء وأخرى بالمكسرات وأكياس البطاطا والشكلاتة دخل وعلى كتفه حقيبة ظهر ... اخرج منها علبة بها زجاجة داخلها سائل ومؤشر صغير ... وضعها على الطاولة نظر إليها ونظر لعلبة صديقه المعلقة ... فوجد أنهما متطابقتان ...

ضحك مصافحا صديقه ... أبشر نحن نسير في الاتجاه الصحيح ... 
نعم بالتأكيد ... مادام المؤشر صحيحا لا خوف علينا ... 
اجلس للتو بدأت المباراة ... 

ارتمى بدن صديقه المترهل بالدهون والعضلات المفرغة ...

أحب هذا الشيء قالها وهو يفتح علبة مشروب الطاقة البارد ... قلب العلبة أفرغها ... في لحظة مباشرة في معدته ولم تكد تمر على فمه وبلعومه ... حتى أصدر صوتا كزئير أسد عجوز ... 

نظر كل منهما للآخر بصمت لحظة ... وانفجرا بالضحك... 
فجأة صمت الاثنان ... وانتبها للشاشة التي تعرض باستمرار تصارع كتل اللحم...

استمر جلوسهما هناك على ذات الحال ... ساعات ... و زاد لساعات أخرى ... 

نظر الضيف لزجاجته وزجاجة صديقه ... نحن نتبع المؤشر على ما يرام ... علي أن اذهب الآن ... اشتقت لشاشتي الكبيرة ... 

وقف من جلسته لينهار متناثرا جبل من علب مشروب الطاقة الفارغة ... وأغلفة أكياس البطاطس والشكلاتة ... من على خصره ...

احدث ضجة جعلت صديقه يغلق أذنيه ويصيح كفى ... كفى ...
اخرج ... اخرج ... اذهب لحال سبيلك ...

ثنى قدميه ... انحنى ليلتقط زجاجته من على الطاولة ... متتبعا المؤشر ... خرج عائدا إلى بيته ...
أغلق الباب ليعود الهدوء للمكان إلا من ضجيج التلفاز ... وصوت قرمشة البطاطس المملحة ...

مع أنفاس نتنة تتطاير تحيط برأس أشعث ... وعينان ذابلتات ... بالكاد تنظر لتلك الزجاجة التي تشير إلى الاتجاه... الذي يحرص أن يكون صحيحا ...

يشعر بإجهاد وتعب ... مرهق لكثرة نومه على تلك الأريكة ... منتظرا أن يتغير حاله ... منتظرا من صندوق البريد أن يجلب له الخير الوفير ... تكاد ملابسه تلتصق عليه لشدة انتفاخ جسمه ... سمنة ... والاهم انه يتبع السهم واتجاهه ...

رشف رشفة من ذاك المشروب ... وهو يرفع بصره للسقف ... حيث تجمد نظره هناك ... محدقا ... لا يتحرك ... لم يلتفت حتى لتلك الزجاجة ... 

انتهى برنامج المصارعة الحرة ... وبدا عرض برامج بعد منتصف الليل من إعلانات تجارية لأعشاب تطيل العمر ... أقراص تخسيس دون رياضة وحركة ... حزام شد البطن أثناء النوم ... حذاء يساعد على شد الظهر وتقوية عضلات الأقدام دون حاجة للمشي ...

حتى ساعات الصباح الأولى ... ليبدأ برنامج المصارعة من جديد ... حلبة بعد أخرى ...
طرق على الباب ... 
طرق أشد ... 
لم يجب ولم يأبه له ... 
اشتد الطرق ... صاح الطارق ... افتح اعرف انك بالداخل ... 
لا رد... حتى كسر الباب ودخل ... 

لما لا تفتح الباب من المرة الأولى؟ عجزت حتى عن ضغطة زر ؟ يا لك من مخلوق غريب ... والعيب عيبي أني أنفق عليك وادعم معيشتك ولم أطردك بعد أن بلغت لتسعى لرزقك بنفسك ...

نظر إلى السقف حيث ينظر ... لم يرى شيئا ... ما الذي تحدق به؟

اقترب منه ... اشتم نتانة رائحته ... مد يده ليوقظه ظنا منه انه نام على ذاك الحال ... 
سقطت علبة المشروب من يده ... انحنى رأسه ... ليجد انه على ذاك الحال ... كان ينظر إلى روحه تودع جسده ... تفارقه ... وهو الذي لم يكلف نفسه أكثر من النظر لبوصلة محطمة ... لم تكن ترشد إلى الاتجاه الصحيح ... لم يستطع يوما التأكد من أنها تعمل بشكل دقيق حتى يتأكد إن كان ما يفعله في حياته سيوصله حقاً إلى حيث يتمنى ... أن تكون نهايته بخاتمة المسك تودع فيه الروح الجسد لتنعم بأمان حصاد الأعوام برحمة رب الأنام ... 

مسح على وجهه مغمضا عينيه متأسفا ... أخرج بوصلته من جيبه ... نظر إليها ... راجع نفسه ...


شكراً


أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 5 أكتوبر 2013

البيت ...

By 6:26 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




جرس ذهبي معلق بشريط اسود لامع ... عند باب خشبي أبيض أنيق ...
هدوء وسكينة عند مدخل الحديقة ... كأن له شمس تخصه ... مميز هو المكان ... دونا عن كل بيت في الحي ... طيور تتراقص ، أشجار نظمت كأنها عقد مرجان تظلل المدخل الأبيض رقيق المنظر راقي بهدوء ... 
مدخل السيارة حجارته يحتضنها عشب يزينها ... تفاصيل دقيقة في كل زهرة اختير لها مكانها باعتناء ... بعض العاب تناثرت مبللة بماء بث الحياة في الحديقة ...

يلتفت المارة عند المكان ... يتمهلون للتأمل والابتهاج بهذا المنظر المتكامل بكل دقيق تفاصيله ... واضحة العناية والاهتمام في كل جزء من البناء و الحديقة ... حتى أعشابه وكأن كل عشبة اختير لها المكان المناسب لتنمو فيه بالطول المطلوب دون أن تخالفه ...

سيارة فارهة تركن في آخر ممرها الأنيق  ... الأب إلى البيت يعود ... بمروره من حيث سيارته للمدخل ... اكتملت صورة المكان ... سار بين الأشجار و الأزهار ... وقف أمام الباب ... التفت لينظر لحديقته وحيه والشمس المشرقة الناعمة كبريق الماس المرصع على حلقات الذهب الأبيض ... 
المفتاح في ثقبه أدخل ... وقف وكأنه للقفز من الطائرة بلا مظلة يتأهب ... انحنى قليلا .. تنفس بقوة وعمق ... نظر يمنة ويسرة ... أدار المفتاح ... فتح الباب ... 
بقوة لا يكاد من يمر يرى أثرها ... إلى الداخل سُحب ... و الباب من ورائه أغلق ...

الهدوء عم المكان ...  
في غنائها مستمرة العصافير ... مستبشرة راقصة ... زهرات تنشد عبيرا يشرح الصدر حيثما وصل

عن انتصافها في السماء الشمس تزحزحت ...
حافلة المدرسة أمام البيت توقفت ... نزلت طفلة لطيفة أنيقة جميلة رقيقة ... لحقت بها أخت توأم ... وأخ وسيم ... 
بحرارة يلوح الأصدقاء من الحافلة  ... ابتسم السائق " طاب يومكم " قال وانطلق...

إلى البيت الجميل التفت الإخوة وهم متأكدون غبطة مِن كل مَن في الحافلة  كان معهم على هذا الجمال الذي يلتزم البيت في كل تفاصيله ...
عند الباب وقف الثلاثة ينظر كل منهم للآخر ... 
لأخيها أشارت أن هيا افتح الباب احتاج إلى الدخول بسرعة ...  
التفت إليهن ومد يده ... أمسك الجميع بعضهم البعض وكأنهم سيمرون على حبل رقيق فوق واد سحيق ...

أدخل المفتاح وهو ينظر لأختيه ... أدار المقبض ... عن الأرض ارتفع الثلاثة و كأنما لم يكن أحد أمام الباب ... انسحب الجميع إلى الداخل ... بقوة

جمال البيت أخاذ ... حديث الحي كله ... تتمنى كل نساءه ان يكون لهن مثله و أسرة مثل هذه الأسرة المتكاملة ...

من سيارة خدمات توقفت أمام البيت رجل ينزل ... نحو الباب تقدم  ... الجرس ... وانتظر ... 
على سيارته ألقى نظرة ... عاد وطرق الباب حتى سمع صوت اقتراب احدهم ليستقبله ..
هندم نفسه متأهبا ...
المقبض من الداخل ... صوت دورانه ... مع صوت فتح الباب و انفراج فتحته ...  
ينظر الزائر للأرض وببطء ينتظر فتح الباب ...
الخادمة تقول ... تفضل ... 
فسألها هل السيد بالبيت؟ 
نعم ... لحظة... و اختفت ...

بعد لحظات ... 
على وثيقة استلام طرد أرسل من عميل في بلد آخر وقّع الأب  ... 
حتى ابتعد الزائر ليركب سيارته وقف الأب ... ليحييه
ما أن انصرف حتى التفت الأب إلى الباب ... فتحه ليدخل ... إذا به يُسحب إلى الداخل سحبا شديدا و الباب من خلفه يطبق ...

رشاشات المياه بدأت في الحديقة تعمل بشكل تلقائي لتسقي العشب وتلطف المكان ... تنعش الحياة بين الأغصان ...

على المغيب قاربت الشمس... إلى أعشاشها تسللت الطيور ... تغطت الزهرات بوريقاتها في سبات حتى تصحوا مع شروق شمسها  ...
أنارت مصابيح الحديقة  ... مزينة المكان مسلطة الأضواء على زوايا المنزل لتزيد جمال منظره الليلي ... و تجعله يبدو و كأن قصرا من حكايات الخيال سقط في الحي ...

إلى الممر الأنيق دخلت سيارة حديثة ركنتها بجانب سيارة زوجها ... وانتظرت دقائق حتى توقفت المياه عن الرش ... 
تقدمت نحو الباب وهي تخرج من حقيبتها شيئا ... 

ها قد وجدته ... قالت ذلك وهي تمسك المفتاح وتقربه لفتحة الباب ... تثبت قدميها في الأرض كمن يتأهب لسباق ركض ... وهو عازم على الفوز ... 
أدارت المفتاح وبأقل من لمح البصر مسحوبة بشدة ... كانت السيدة داخل البيت ، الباب مغلق والمكان يعمه هدوء وسكينة ... 

لم يشهد أحد من الجيران أو حتى الأقارب على ما يحدث عند مدخل البيت ... ولا يعرف سببا لذلك ...

فحياتهم كانت أمنية كل من تعرف عليهم أو جاورهم أو حتى ممن مروا من أمام البيت ... الزوجة تمناها الرجال ممن عرفها والزوج تمنته النساء أن يكون زوجهن مثله تماماً ... 
الأبناء في المدرسة تمنى أقرانهم أن يكونوا مكانهم ...يسكنوا بيتهم ... يعيشوا حياتهم ...

لم يعرف احد من قبل أبدا أن بداخل هذا البيت زوج كإعصار مقيم ... و زوجة كزوبعة مستقرة ... اجتماع لا يمكن أن ينبت معه زهرة ... فالرياح فيه عاصفة و العلاقات بين الأزواج ناشفة ... لحياة الجميع خاسفة ... كل طموحاتهم ناسفة ... أدوارهم تبادلت ... أحوالهم تبدّلت ... وما اهتمامهم بشيء الا بصورة على الناس عرضت ... فأعجبت ... بقيت و استقرت ...
وما هم احد منهم إلا ما يقال من الناس عن أهل هذا البيت و جماله ...

شكراً



أكمل قراءة الموضوع...