بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

الصُلح خير ...

By 9:01 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





رُكنت السيارات بتناثر حول القاعة التي أقيم فيها الإجتماع من أجل الصلح بين الأسرتين ، بوساطة من عقلاء و وجهاء كلا من الطرفين ، وكما هي العادات و التقاليد في هكذا إجتماعات مبرمجة من أجل المصلحة المشتركة و إبعاد شبح الخصام وتعمقه و إنتشار عدواه ،  لم ينطق أحد بكلمة فيما يخص أسباب المشكلة حتى ألقي بالأطباق و القِصاع أمام الجميع ، وليمة لها بداية و لم يراعى لها نهاية ، و يصعب وصف مافيها وما لحقها من فواكه و مرطبات ومشاريب وأطباق جانبية و مقبلات …
وما أن إنتهى الجميع من بذل الجهد في إلحاق لقمة بلقمة وأمتدت الأرجل و إنتفخت البطون ، حتى قدمت أكواب الشاي و الجميع  بدا وكأنهم أصيبوا بمخدر تمهيدا لإجراء عملية جراحية … أرخت منهم الأطراف  و تنملت والأعين نعست وإرتخت … 

أديرت أكواب الشاي ، خضراء و حمراء مكسوة برغوة ذهبية و بيضاء ومعها ورقة نعناع في وسطها ملقية…  أرتشفت و على الأرض وضعت … و إنطلقت على إثرها الإشارات إلى الوجهاء منهم و كبارهم ليبدأ الحوار و يعقد الصلح ، وهو أملهم في هذا اللقاء … 

تنحنح شيخ كبير و عدل جلسته وإستقام فيها وهو يفرك شنبه و يعدل لباسه ، ليصمت الجميع و ينصت لما سيقول بإهتمام ، فلهذا إجتمعوا و له أعمالهم تركوا و هو لب الموضوع و ليس الوليمة … 

إفتتح الشيخ الوقور الهادئ الكلام بسم الله و بالصلاة على رسول الله و من تبعه بإحسان إلى يوم أن على الحوض بإذن الله سنلقاه ، و أثنى خيرا على الجمع بالمديح و الشكر و طيب الكلام ، و شكر بزيادة أهل الكرم و الضيافة الكرام ، و أفصح عن سبب هذا الإجتماع ، بأننا مهما حدث فنحن أبناء عمومة و بيننا نسب و أخوّة و أرحام ، ولا يجب أن ننسى كل هذا و تأخذنا الحمية و نخاصم بعضنا ، و يتفرق شملنا و تضعف قوتنا ، مهما حدث ومهما بدر عن أي طرف من الأطراف ، و زاد في التوضيح أن هذه الوجوه الطيبة التي على الخير إجتمعت ، غرضها واحد ، وهو إصلاح ذات البين وإرجاع المياه لمجاريها ، و أن ما يطلب منهم سيتم تنفيذه لأجل إرضاء الجميع وإحقاق الحق و تحقيق العفو و تأصيل الأخوة والنسب ، و أكد أنه يأمل في أن لا يُرد هذا الجمع خائبين وأن أهل الكرم و الجود سيكونوا لطلبهم من الملبين … ولسنا نطلب أكثر من أن تعفوا عن ما بدر من إبننا من خطأ في لحظة غضب و خروج عن طور العقل و التسرع ، و نعدكم بأنه سيصلح خطأه و أنا أعطي لكم مني شخصيا وعداً بأن هذا لن يتكرر ، فما رأيكم إخوتي الحاضرين الكرام أهل الجود و الشهامة و الكرم .

أنهى كلماته ناظرا إلى شيخ الطرف الآخر و من بقربه جالسين ، حتى يسمع رأيهم و ردهم فيما عرض وقدم من عذر وطلب … ونظراته مليئة بأمل القبول حتى تهدأ الأنفس و تصفو و تعود المياه إلى مجاريها … 
تنحنح شيخ من بين الشيوخ المصطفين و شبك يديه و سمى الله و على نبيه أثنى و صلى و سلم … وقال:
أما أنكم أهل الجود و الشهامة و الكرم ، فهذا يشهد به القاصي و الداني ، ولا أحد يمكنه أن يرد لكم طلب وقد حضرتم جميعا و شرفتم مجلسنا و تقاسمتم لقمتنا ، و يكفي ما بيننا من مصاهرة و قرابة قديمة و صلة رحم و دم … فمن نحن من دونكم ، و من أنتم من دوننا ، كلنا نكمل بعضنا و ندعم ، و لسنا غرباء على بعضنا البعض ، و نستحي أن نردكم بوفاض خالي ، بعد أن شرفتم منزلنا بهذه الوجوه الطيبة و القلوب الصافية النقية ، التي تمد الخير و تطرد الشر …
نظر لمن حوله من شيوخ أسرته الذين وكلّوه ليتحدث عنهم نظرة تفحص و إستعلام ، ليستمر في القول …

أما أننا نسامح في حقنا … فإننا نفعل ولا نرضى إلا بالخير بيننا ، ولكننا لنا عتب لا بد أن نذكره ، و عتبنا عتب أخوة و عتب محبة و تقريب … لا عتب غضب و زيادة تجريح وفرقة … 

هز الشيخ الآخر رأسه موافقا واضعا يده على صدره مطئطئا الرأس قابلا بما قاله الشيخ ، و تبعه في ذلك الحضور … فإسترسل الشيخ قائلا … 

عتبنا أن إبنكم كان الأجدر به أن يتريث قبل أن يتخذ قراره و يخطو خطوته الغير مبررة بإلغاء الصداقة بينه و بين إبننا بعد ما قرأ له بعض التعليقات التي لم تعجبه و خالفت رأيه … و أننا نؤكد أن إختلاف الرأي يجب أن يبقى ضمن إطار ذاك الرأي فقط ، ولا ينتقل إلى الأختلاف الشخصي مع قائله ، فأنت اليوم رفضت رأيي و إعترضت عليه ، ستقبل رأيي غدا ، في مسألة أخرى و نتفق فيها ، وهذا ما يجب أن يحدث ، ولا يجب أن ينتقل إختلافنا في الآراء إلى كرهنا لبعضنا و محاربة بعضنا و اللجوء إلى إلغاء الصداقة دون سابق إنذار و يلحقها بالحظر أيضا ؟!… 

ثارت ضجة تمتمات بين الحاضرين لإستغرابهم من أن المسألة وصلت إلى الحظر ، وهم على إعتقاد أن المشكلة كانت فقط أن إبنهم قام بإلغاء صداقة الآخر و لم يصل الأمر للقيام بحظره … فطأطأ الجمع رؤوسهم خجلا من هذا الفعل و كلهم أسف و إعتذار من الشيخ … و بذلك إنتهى الخلاف وقُبل الصلح و وعد أن الحظر سيزال و أنه سيتم إعادة الصداقة بطلب جديد وأن إبنهم سيوافق عليه حالا … و ليس بالضرورة أن يتفق الجميع على رأي واحد في كل المسائل ، و لكن من المهم أن يتفق الجميع أنهم على دين و دمهم واحد …

وقف الجمع شهودا على إرسال طلب صداقة جديد من الهاتف ليوافق عليه الآخر مباشرة في حينه وأعينهم بالدمع تكاد تفيض ، و يرى الجميع أن كل منهم أصبح في قائمة أصدقاء الآخر وألحقها بإعجاب على صورته الرمزية ، زيادة في تأكيد عودة العلاقة لطبيعتها … وسط تهليل و تكبير وإعجابات من الكبير قبل الصغير و فرحة غمرتهم أنه مازال بالإمكان إقامة الصلح بين الأخوة بوجود العقلاء المتفهمين من الطرفين مهما كان عمق المشكلة و خطرها  … 



شكراً

0 التعليقات: