بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الأحد، 7 أغسطس 2016

يوم في حياة ... خروف

By 9:24 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



صوت صفير خافت ، بتتسلل رياح من فتحات خلفتها مسامير في الصفيح المغطي لكل جانب من جوانب الزريبة … ومعها يتسلل نور الصباح ينير جوانب منها و به يفيق صديقنا الخروف … ومن معه 

سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بغلته بينه و بين نفسه… 
الركب مثنية و الرأس مطأطأ و الصوف خفيف … يقلل من وطأة حرارة الصيف … يحرك الأضراس يقضمها كأنما يقول لبقية الخراف … أسعدتم صباحا … 

يرفع الرأس و ينتفض واقفا … عند سماع صوت خطوات من الباب تقترب … و تزيل لوح البوابة و تفتحها …

ينظر الجميع إلى بعضهم كل يدعوا الآخر أن يتقدم هو … فيصر الآخر بأن يتقدم هو أيضا … حتى ضاق الخروف بهم ذرعا و تخطّاهم و أخرج رأسه من الزريبة ليتأكد أن الخروج منها مسموح … وأن راعيهم عند البوابة بخطوة إلى الوارء يقف …
تراءت له الساحة الخضراء داعية ، هلم هلم إشبع من عشبي وإملأ بطنك ولا تفكر في من هم خلفك … فهنا ما يكفيكم جميعا … هلم هيا تعال …

الجميع خلفه ينظرون إليه ملجمين الصمت بعد أن كان كل منهم يدعوا صاحبه أن يتقدم ، وإذا بهذا الخروف يتقدمهم … 

خرج دون أن يلتفت إليهم وإنطلق نحو الحقل و خلفه خرج البقية دون تفكير ولا سؤال وأعينهم جميعا تتبعه إلى حيث هو ذاهب … 
أخفض الرأس مباشرة ولم يذخر جهدا في أكل العشب … و هو ينتقي عشباته الخضرأ فالخضرأ … و احيانا تصادف أن رأسه تصطدم بغيره وهما يرغبان  في أكل ذات العشبة التي وقعت عليها أعينهما معا … وما يلتقطها أحدهما حتى يلتفت الآخر الى غيرها و يستمر كل منهم في السير على خط لنفسه دون تخطيط … يتبع فيه الأخضر من العشب … حتى تأخذهم أرجلهم إلى أماكن لم يسبق لهم أن مرو بها ، و يأكلوا أعشابا بنكهات لم يسب لهم أن تذوقوها … و يجدوا أحيانا من يمنعهم عن الإستمرار ليعودوا مجددا إلى حيث البقية …
سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بلغته بينه و بين نفسه … 

إنتصفت الشمس فوق الرؤوس فإشتد الضمأ بأحد الخراف … فأخذ يسير نحو بركة الماء ليشرب … وما كان من البقية إلا أن تبعوه و تبعه الخروف أيضا … أروى ضمأه و إلتفت نحو شجرة قريبة ، تُظلل تحتها … فإنصرف إليها … ليتبعه جمع منهم … إقترب من بقعة أعجبته … أرخى نفسه مستلقيا ثانيا الركب ممدا الرأس مجترا ما لديه من عشب … وإسترخى … في تلك الجلسة … تارة يرفع رأسه وهو يجتر … تارة خرى  يثنيه نحو جسده ، على الأرض يريحه …
سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … يرددها بلغته بينه و بين نفسه … 
مالت الشمس عن قلب السماء لتهدأ أشعتها و تهب نسمة تجلب معها رائحة رطب العشب لتخترق أنف الخروف … فينهض … ومعه ينهض البقية … و يشغل نفسه من جديد في أكل العشب … سارحا من إتجاه إلى آخر … عينه تنتقل من عشبة يأكلها إلى عشبة سيأكلها بعدها … وإذا ما رأى خروفا آخر مبتهجا بما وجد من خصب عشب … حتى إتجه نحوه ليأخذ نصيبه منه أيضا …

لا يتوقف الجميع عن الرعي حتى يسمع صوت صفير الراعي مناديا أن اليوم أوشك على الإنتهاء … ليعود الجميع إلى الزريبة … و يغلق الباب من جديد …
إنزوى الخروف في جانب وألقى بنفسه … وهو يردد سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله … 

وهو يعيد و يجتر ما أكل من عشب … حتى طأطأ الرأس و غط في نوم خفيف … إنتهى بصوت صفير خافت ، بتتسلل رياح من فتحات خلفتها المسامير في الصفيح  … ومعه شيء من نور الصباح …


شكراً…



0 التعليقات: