بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الأحد، 17 يوليو 2016

نبتة صغيرة ...

By 11:51 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ...




سمِعَت صوت أحدهم من غرفتها يقترب على الأرض كانت أمام المرآة جالسة … أحاطها الإرتباك و الخشية و بسرعة إخفاء ما كانت به تشغل نفسها ، حاولت  … لا تدري من يقترب من الغرفة ولكنها أخفت كل شيء  … وإذا بالباب يتحرك و عنده يقف والدها مطلا برأسه ناظرا إليها مبتسما … 

يدها عندما دخل للتو رجعت من حيث كانت ، بسرعة تخفي ما بين يديها و تضعه تحت الفراش … الإنكار ببراءة مرتسم على وجهها ، إلتقت نظراتهما في لحظة توقف عندها الزمن بالنسبة لها 

أتراه يكتشف ما كانت تخفيه؟ 
يوبخها ،  ينهرها على ما تفعله ؟ هل وقعت في ورطة و لم تكن حذرة ؟
أيتركها و يخرج كأن لم يرى شيئا و يظن أنه شيء خاص بالفتيات ولا يجب أن يراه هو؟ أم أن عمرها يسمح له بأن يدخل و يسألها و يعرف ما الذي كانت تفعله … ولكنها لم تعد طفلة الآن ... 

رغم أن لقاء النظرات لم يدم إلا ثوان معدودة  … إلا أن الأفكار في ذهنها كانت متسارعة تفيض بكل إتجاه … 

إقترب منها مبتسما … جلس إلى جانبها ،  وضع يده على كتفها و هو إليها ينظر… وقال بهدوء وهو يده على خدها يضع …

هذا اللون لا يليق بك يا حبيبتي ، جربي إستعمال الكحل العربي فهو أجمل بكثير من هذه المساحيق الملونة … التي قد تغير مظهرك و تذهب جمالك ولا تظهره … حاولي أن لا تكثري من الألوان الملفتة المبهرة و إستعملي الألوان الأقرب إلى لون بشرتك ، فالزينة تكون أجمل عندما تظهر جمالك لا أن تخفيه خلف أكوام المساحيق … إستعملي منها فقط ما يظهر جمالك وليس ما يدفنك في وعاء دقيق يخفي وجهك و يشوه مظهرك و يجعلك كمسخ قد لا أتعرف عليه عندما أراه و أهجم عليه لأخلص إبنتي منه ، وأعيدها إلى جمالها الطبيعي النظيف … 
إبتسمت بإطمئنان وقالت … ولكنك لا تحب هذه المساحيق؟
نعم حبيبتي ولكنك الآن في البيت و يسعك أن تجربي ما يحلو لك ما لم يدخل في الحرام … و ربما عليك أن تتعلمي جيدا أن تهتمي بنفسك و أن الإهتمام بالنفس و الزينة للمرأة شيء مهم جدا وطبيعي في فطرتها … و لكن أهميته أن يكون لشخص واحد و في بيتك و ليس للخروج أمام الناس جميعا … 

ضحكت ضحكة أوضحت فهمها جيدا لما يقصده … وقالت 
نعم هناك من يتزينون فقط عند الخروج للحفلات و العزائم و الزفاف ، و لكنهم في بيوتهم كأنهم لا يعرفون للزينة طريق أبدا.
هز الأب رأسه موافقا بإبتسامة خفيفة ... و قال 
نعم تماما هذا ما قصدت و هذا بعيد كل البعد عن العقل و عن المنطق ...
فهزت رأسها موافقة و مستغربة في هكذا فعل ... 

ثم أكمل الأب يقول 

أريدك أن تكوني بنفسك دائما مهتمة ، في بيتك كأنك ملكة أو أميرة ، و إهتمامك بنفسك و إنشغالك به لا يجب أن ينسيك الإهتمام بعقلك و فكرك الذي هو الأساس ، فلن نقابل الله بجمال أشكالنا ولكننا سنقابله بقلوبنا و أعمالنا التي تنتج عن ما في هذه القلوب… ولكنني أريدك أن تتعلمي كيف تهتمي بنفسك … هيا أريني كيف تضعي الكحل في عينيك … 

كما تتطاير الفراشة بخفة في يوم ربيع إنتفض صدرها وزاد بهجة وإنطلقت سرورا … و إستبشر وجهها بفرح … أخذت العلبة من حيث أخفتها و أخرجت منها قلم كحل  … أخذت ترسم تفاصيل حدود عينيها … و تريه كيف هي … والأب يخبرها أن تحاول أن تكون موزونة ولا تبالغ و يكون إستعمالها في حدود جمالها ليزداد لا ليفسده …
- قالت هل أستطيع تجربة هذه المساحيق؟ 
- بالطبع مادمتي في البيت إفعلي ما يحلو لك … 
- و سأجرب طلاء الأظافر أيضا ؟
- نعم جربي كل ما يحلو لك … مادمنا قد إتفقنا ... 
- أنظر لدي هذا اللون و هذا اللون ، ما رأيك في هذا ؟ 
وأخذت تحدثه عن الألوان التي تحبها و الرسمات التي ترغب في تجربتها على اظافرها ، وأن هناك طلاء شفاف لتقوية اللون و آخر لتلميعه و غيره لتنظيفه … وأنها ترغب في أن تطيل أظافرها و كذلك ذاك الطلاء الذي يمكن نزعه كالقشرة بعد إستعماله…ليساعدها على الطلاء بنظافة ...

كانت الفرحة لا تكاد تستقر في صدرها و تريدها أن تنتشر في كل مكان … 
سحبها إليه وإنحنى ليحتضنها ويقبلها … وهو يقول …

حفظك الله يا إبنتي و رعاك و عرّفك الطريق إليه دائما و أرضاك و رضي عنك … سأتركك الآن لتهتمي بنفسك و تفعلي ما تريديه … ولكن تذكري دائما … أنك لست مطالبة بتقديم الأعذار لي أنا … بل أنت مطالبة بتقديم الإجابات المقنعة لله عندما يسألك عن أي شيء فعلتيه … 

لم تلتفت له عندما خرج وقد إقتربت من المرآة و هي تمسك خدها بيد و بيد الأخرى تحاول رسم الكحل حول عينيها … 


في غرفة الجلوس كان الآب جريدة البارحة يقرأ … عندما دخلت الإبنة و قد بدا وجهها مشرقا منيرا بالفرحة و قد تزين بهلال الكحل حول عينيها وهي تقف أمامه بدلال وبراءة تنتظر رأيه … 

أبدى إعجابه الفائق بها وسروره بفرحتها أنها عرفت أنه لا يمانع أن تقوم بما تحب ولا يخرجها من طور الطاعة لله قبل كل شيء … 

بعض أيام مرت و قد إعتادت أن لا تخفي إهتمامها هذا داخل البيت … وكانت كل مرة تجرب أسلوبا مختلفا في وضع الكحل و طلاء الأظافر … 
سمعته يناديها طالبا منها تجهيز نفسها للخروج معه 
- هيا يا إبنتي جهزي نفسك سنخرج بعد قليل 
- إلى أين ؟
- أحتاج لبعض الأغراض و أريدك أن تكوني معي … 
- فرحت الفتاة بفكرة الخروج و التسوق مع والدها…

إنتهى بهم الأمر بين محال بيع الزينة عن أنسب لون طلاء أظافر يعجبها و يليق بها لتستعمله يبحثون… ولم يكن للأب حاجة يشتريها إلا أنه أراد مرافقة إبنته لشراء ما تفضله من ألوان الطلاء … وكم كانت فرحتها بذلك كبيرة و زادت ثقتها بنفسها و مشاركتها لأبيها في كل ما تفكر فيه و تتقاسم معه تصاميم تجربتها على أظافرها كلما كان الوقت مناسبا لذلك ، دون أن يعترض الأمر صلاتها أو يتعدى حدود ما أمره به ربها …

إرتمت بقوة على صدر أبيها و إحتضنته … لتمتزج دقات قلبين أحدهما من الآخر جزء بفرحه زاد فرحا … و قد غرس فيه نبتة الثقة بالوضوح و الخير و محاسبة النفس خوفا من الله ، قبل الخوف من عبده ... 



شكراً…

0 التعليقات: