بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

الشفرة ...

By 4:51 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




شفرة يصعب فكها ...تلك التي نتعامل بها بيننا وبين بعض ...

غالبا لا نعتمد فيها على الكلمات الواضحة الصريحة التي تعبر عن حقيقة ما فيه نفكر أو به نشعر ، وقليلا ما حقاً توصل ما نرغب في قوله ... اللهم في حالات انفلات الغضب و عدم القدرة على التحكم في النفس و اطلاق العنان لكل ما يمكن قوله دون تفكير ...

أما في الحالات العادية ...

تجد التعابير تحوم حول المفهوم أو الرغبة و الحاجة التي حقاً نريدها و نسعى اليها ...
وكأننا  نحوم حول ما نريد من الآخر ونلتف حوله حتى يفهم مرادنا ويلبي حاجتنا وكأنه هو من أراد إعطاءنا ذلك وليس نحن من يطلبها ، بتكرار ممل و ببطء يدخل المرض الى القلب السليم ... نستمر بهذه الطريقة بلا ملل ...

حتى أننا بتنا نعتبر الصريح الواضح شخصاً جريئا متعديا للحدود معتديا على تقاليدنا الاجتماعية  ...
رغم أنه يعجبنا و يفرحنا بل انه يغبطنا فرحة وربما نحسده على ما لديه من اُسلوب لانه من قيد ثقيل يكبلنا تحرر واستطاع أن يفعل ما لم نستطع نحن فعله ...

ورغم ذلك لا تجدنا نحاول أن نكون صرحاء واضحين ولكننا نستمر في الغرق في أسلوبنا الذي نكتسبه منذ الصغر ... "الا من رحم الله"

قد يكون ذِكر صغر السن شماعة مناسبة لإخلاء المسؤلية عن أنفسنا أننا مظلومون ولم يكن بيدنا حيلة أن لا نكتسب هذا الأسلوب وهذه العادات ... فهذه عادتنا في أن نبرئ أنفسنا حتى نخرج من دائرة الإتهام الوهمية التي نعيش فيها والأهم في حياة أغلبنا أن لا تدخل سجنها وتلصق بك التهمة وتكون أنت السبب ...

في حين أننا في هذه الأثناء نهمل معالجة المشكلة ونكتفي بالبحث عن المسبب ونلقي إليه بالحمل و اللوم ونظرات الاستهجان ، ونخرج منها خِفاف الحمل فلسنا نحن السبب إنما هو السبب ، وما يجعل تلقي و إكتساب هذا الأسلوب في الصغر لم يعد يصلح لأن يكون شماعة تنجيك وتخليك من المسؤلية ... أنك تعيد الكرة لتكسب من تنجبهم تلك الطباع وهذا الأسلوب . وأحيانا تفعل ذلك حتى مع من لم تنجبهم أنت إنما في اسرتك ... أو أن بعضا من البشر الصغار يسوء حظهم بأن تكون أنت معلما لهم وعندها يزداد بلل الطين في المشكلة لتكون مجموعة مشاكل مركبة تنهار على رأس كل فرد من أفراد المجتمع الذي أنت وأمثالك معلمين و تملكن سلطة التأثير على حياة الاخرين فيه ...

لا تجزع ولا تخف ... فلست أنت شماعة نلقي عليها باللوم فما أنت الا مسمار أضيف لهذه الشماعة لتزداد صلابة وقوة ومع ذلك لن ينجو منها احد ...

فما تشعر به أنت الآن هو أحد أهم أسباب عدم وضوحنا وعدم مواجهتنا لأنفسنا ولرغباتنا وحديثنا بصراحة في تعبيرنا عن أنفسنا وحاجاتنا ورغباتنا ...

فكونك تعودت أن تخرج من دائرة الإتهام وأن يلقى اللوم على أي شيء إلا أنت فهذا سبب من الأسباب .

أسباب اجتمعت جعلت من تحمل المسؤلية عيباً كبيراً ومن إتخاذ القرارات حملا ثقيلا فكل قرار معه مسؤليات كبيرة وأنت إعتدت أن تنجو بجلدك من المسؤوليات وتحملها ، لأنك لم تكن أنت من كسر الصحن ولم تكن أنت من أكل لوح الشكلاتة الذي خبّأته السيدة الوالدة الفاضلة لأجل أن تقدمه لظيفتها التي أتت لتشاهد بيتها الجديد ... ولست أنت من حرك أوراق أبيك من على مكتبه لكي يخط خربشات على إحداها ولست أنت من رمى الكرة لتكسر زجاج نافذة الجيران ... 

كلها لم تكن انت من فعلها بشقاوة الطفولة ، وعرفت مع الوقت كيف تتهرب من المسؤلية وتنفذ بنفسك من العقاب وأخذت نصيبك من الصراخ والعويل و الاستهزاء و الحط من القدر وربما لحق بك من عقاب اخوتك الذين حولت الاتهام نحوهم لتنقذ نفسك فلم تعد تشاهد أفلام الكرتون ولا تخرج للعب بالدارجة إن كنت تملك واحدة وخرمت من مزايا كثيرة يتفضل عليك بها من رباك ...

وربما زادت فترة تدريبك وامتدت الى المدرسة حيث أن طالباً واحداً يخطيء يتسبب في عقاب الفصل بأكمله بأسلوب الإهانة قبل التربية و الغل قبل الحِلم و الإستشفاء قبل التنبيه فمن ذَا الذي يحصل على إعفاء من تلك المجازر اليومية بأسلوب لبق وإن كان لفٌ ودوران ، ولكنه ينجيني من ويلات المعلمة أو المعلم الذي أصابه التوحش فأفرغ غله من حياته وبيئته وزوجته وأبناءه ومديره في عقاب ذاك الطالب أو أولائك الطلبة.

كل ذاك التدريب و المناورات و الأحداث الحقيقية علمتك أن لا تكون واضحاً صريحاً ... علمتك أن تكون محترفا في أن تصل لحاجتك بأسلوب ملتوي كأنك ثعلب تتعامل مع ذئاب متوحشة ، وكل منكم ينظر الى شماعة تقف خلف كتف الاخر ...

فمن يدري إن حدث شيء ما ... أسلوبك يعطيك الإمكانية لتقول "الم اقل لكم " " كنت اعلم ان ذلك سيحدث " الحمد لله لست أنا السبب ... وقد تقول ذلك في سرك لأنك لا تملك الجرأة لتفصح به وإن فضحتك تعابير وجهك وحركات جسمك وربما يزيد الأمر وضوحاً اُسلوب الإستهزاء و السخرية من الآخرين الذي تلجأ اليه كل حين حتى تغطي فشلك في الفهم والتواصل مع أفكار الآخرين وتخرج من دائرة محتملة للاتهام بأنك لم تفهم ولم تستطع الفهم ، فما أفضل من الهجوم كأسلوب للدفاع ... ناهيك عن التمسكن و التظاهر بالضعف لكي لا توكل اليك المهام التي في الحقيقة انت تستطيعها ولكن ليس هذا وقت تحمل مسؤولية كما تعودت ...

وما يجعلنا نرى اناسا مختلفين حولنا ، أنهم لم يدخلوا مخيم التدريب المكثف الذي دخلته أنت فلم يتدربوا على الهرب من المسؤلية لما قاموا به من أفعال ولم يخافوا من عقاب ولم يفكروا في سلامة خدودهم من صفعات أحمق معتوه أو حمقاء مجنونة يعتقدون أنهم بأبويتهم يملكون حق تدمير نفسية ابناءهم ومستقبلهم كله ... وإن كانوا في ذاك يحاولون الإنتقام مما فعله بهم اهلهم ... لستمر التوريث ...

نعم هناك أناس لم يدخلوا هذا المخيم وهذا التدريب وكانت تربيتهم معتدلة بين الأدب و التعليم و الفهم و القدوة و العقاب المناسب بعيدا عن ايذاء النفس والجسد والعقل وهدم المستقبل ...

هكذا أناس ... 

اختلافهم هو ما يغذي التنوع في مجتمع كمجتمعنا و قد يجعلهم هذا الاختلاف أفضل شماعة في أغلب الأحيان لكل من حولهم ، فهم لا يخشون المسؤلية ولا يخشون الإعتراف بالذنب أو الإفصاح عن ما يدور في خلدهم بما يتناسب مع مواقفهم وحياتهم وما يعبرون عنه من أفكار يحاولون الوصول الى تحقيقها وإتمام أهداف لأنفسهم رسموها في حياتهم ... وربما يكون أحدهم قد أنقذك يوما من موقف في العمل أو في المدرسة إن لم تكن أنت منهم لتنقذ غيرك ...

تواصلنا بين بعضنا عقيم في أغلبه يحتاج الى زرع الكثير من المفاهيم وإستبدال ما بِنَا منها بما هو أفضل و أكثر نجاحا وصحة لحياتنا ، فإن ألغينا التواصل بين بعضنا البعض فهذا سيجعلنا كمجموعة عميان لا يسمعون ولا يتكلمون وهم يجرون عملية جراحية لقلب شابة تكاد تختنق من دخان سجائرهم ...

ابدأ بالإعتراف و ضع هذه العقد أمامك أيا كانت نسبتها وتأثيرها في حياتك و واجهها وتحدث مع نفسك عن أسبابها وتوقف عن الهرب من المواجهة وتعلم أن تقف لنفسك و توقفها عند حدها و تزيل عنها كل شوائب تجاربك السابقة وتأكد أن الصراحة في الحديث و القول مع المواجهة عندما تكون في وقتها اقصر طريقا للتفاهم و التراحم و المودة من خشية ايذاء احدهم بالواقع و الحقيقة والهرب من المواجهة وتعليق الأشياء على شماعات لا وجود لها ، حتى لا نحتاج الى فك شفرات محاولات تواصلنا ببعضنا البعض ... 

و تأكد أن الحل دائما موجود مادام النفس مازال على رئتيك يتردد ...

شكراً...


0 التعليقات: