بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الخميس، 21 أبريل 2016

جرس الباب ...

By 9:58 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





تحركت ستائر الشرفة في الطابق العلوي دون سبب واضح لتحركها … ولكن من الجانب الآخر ظلا كان يعكس عينا تتفحص حولها و تنظر لشرف البيت المقابل بحثا عن من يراقبها … ولكن لم يكن يظهر أنه هناك من يراقب … 
لعلهم يجيدون الإختباء ولكنني متيقن أن هناك من يراقبني بإستمرار و يرصد كل تحركاتي … 

أخرج سيارته من جراجه وأغلق الباب بضغطة زر من مداليته … إنصرف بسيارته وهو يشعر أن هناك من يراقب حركته …
جلس حيث يحصل على قهوته و يقضي بعض الوقت مع صحبة إتخذت من هذا المقهى الحديث ملتقى لها … وهو ذاك الإحساس بأن هناك من يراقبه و يترصده ملازم له وإن تظاهر بعدم الإهتمام و زاد في الإنسجام بالحديث وما يحتسي من قهوة … 
عاد عند هبوط الظلام إلى منزله ولكنه قبل أن يدخل السيارة إلى جراجه مرة عبر الشارع مرورا كأنه شخص غريب … و عينه تراقب الشرفات و تنتظر الأضواء لتفضح أي من الشرفات في البيت المقابل يترقب ساعة حضوره وينظر ما أحضر معه … 
عاد وأدخل السيارة مباشرة إلى جراجه بعد أن فتح بشكل آلي … 
أحكم إغلاق سيارته و سار في الحديقة مترنما بلحن إنسجام وعينه تتراقص يمينا و شمالا تتربص من يتربص به وإن تظاهر هو باللامبالاة وأن تصرفاته طبيعية … 

إرتاح في بيته وإسترخى وأخذ يشاهد التلفاز ويرفع صوته وهو يشاهد برنامجا كوميديا ، وفي ذهنه أنه يُسمع من يراقبه وينصت إلى ما يشاهده من الجيران وهو يحدث نفسه أنهم يسمعون وليعرفوا أنه يقضي وقتا ممتعا وأنه سعيد … 

أخفض صوت التلفاز عندما سمع صوت قرع جرس الباب … وأنصت ليتأكد من صدور صوت الجرس… إقترب منه ونظر من العين السحرية التي لم تره أكثر من باب الحديقة المقابل لباب بيته … من يكون يا ترى … صعد إلى غرفته ليرتدي ما يليق بوقوفه أمام البيت وإستقبال هذا الزائر المتأخر في الوقت ، هل تراه أحد الجيران إنزعج من علو الصوت ؟ أم هو فقط أتى إلى هنا بغثة حتى يراني كيف أبدو وأنا في بيتي ؟

أسرع إلى الباب بعد أن تمهل في تغيير ملابسه … فتحه راسما إبتسامة على شفتيه … ولكن لم يكن هناك أحد في إستقبال إبتسامته … 
إلتفت في كل إتجاه دقق النظر … تظاهر بعدم الإهتمام لمن يراقبه من البيت المقابل … أو ظن أنه يراقبه … و لكنه تظاهر بعدم الإهتمام وأغلق الباب و عاد لتغيير ملابسه من جديد … 

لكنه ما أن جلس بعد إرتداء ملابس البيت ليكمل مشاهدة برنامجه ، حتى سمع قرع جرس الباب من جديد … فتأفف غاضبا ونهض مسرعا للباب ولكنه أراد أن يرتدي ملابس تليق بفتحه فعاد إلى غرفته و لم يتمهل هذه المرة حتى يلحق من على الباب يطرق … 
عندما فتح الباب راسما ذات الإبتسامة على وجهه … لم يجد أحدا عند الباب … شعر بالغيض و الغضب ، وأحس أن جاره صاحب البيت المقابل هو الذي يفعل به ذلك ، وأنه فقط يريد أن يزعجه لأنه يحسده على كل شيء ، كل شيء هو فيه يحسده عليه ولم يكن ذلك خافيا عليه لأنه يعرف أنهم يراقبونه كلما خرج و دخل كالكميرات تصور مسلسلا تلفزيونيا لحياة أحد المشاهير … 

ولكنه مع غيظه وتأفف و تعصبه إلا أنه تمالك نفسه و لجمها الهدوء و الإبتسامة حتى لا يظهر لمن يراقبه أيا كان أنه حقق مراده أو أغضبه … إبتسم وهو يغلق الباب … و إستمر على ذلك حتى دخل بيته وكاد يصيح صيحة مدوية لولا أنه خشي أن تسمع فكتم صوتها ولكنه أطلقها بداخله … 
وهذه المرة قرر أن يبقي ملابسه دون إستبدالها بملابس البيت و جلس متأهبا لفتح الباب … 
إنسجم في المشاهدة و نسي أمر الجرس حتى آخذه النعاس وقد تأخر الوقت … 
فإستفاق على ضجيج قرع الجرس من جديد فهب واقفا وهو في حالة ذهول و إستغراب ما الذي يجري … ركض نحو الباب هندم نفسه قبل أن يفتحه و إنطلق … نظر في كل إتجاه ولم يكن هناك من أحد … 
بالكاد تمالك نفسه وكضم غيظه وعاد أدراجه إلى الداخل … 
هل أبقي الباب مفتوحا؟ 
أأطرق على جاري في هذه الساعة من الليل أم أشكوه للشرطة … 
غدا صباحا يجب أن أتصرف بلا شك … سأتصرف …


أعياه التعب فألقى بجسده على فراشه بما يرتديه من ملابس ولم يملك الرغبة لتغييرها بملابس النوم … ونام حتى الصباح … 

أفاق صباحا على صوت قرع جرس الباب مجددا … فتكاسل في الحركة ولكنه تذكر ما حدث معه البارحة … فنهض مسرعا نحو الباب ، نظر إلى وجهه في المرآة ، لم يكن أبدا وجه إستقبال و كيف سيبدو أمام الناس … دخل بسرعة إلى دورة المياه بلل وجهه و جففه … ضرب على خده بضربات تنشيط و أسرع نحو الباب … 
لا أحد عند الباب … لا أحد … كاد صبره ينفذ … فقرر أن يطرق باب جاره المقابل الذي تؤكد له شكوكه بأنه هو من يفعل ذلك وهو من يراقبه دائما و يترصد كل حركاته … نوافذه تشهد على ذلك و ستائرها أيضا … 
وقف أمام باب جاره ضاغطا على زر الجرس … و تأخر قليلا في وقفته وإنتظر 
لم يأتيه رد … فأعاد الكرة بشكل مطول هذه المرة …
وإنتظر فترة أقل … فأعاد الكرة مرة ومرة ، ولكن لا أحد يجيب …
أخذ يطرق على الباب … طرقا خفيفا و يعيد ضغط زر الجرس … 
حتى سمع صوتا يناديه من خلفه … 
لا أحد في هذا البيت لا تتعب نفسك 
ما أدراك أن لا أحد في البيت هناك من يسكنه 
لا أحد يسكنه هو بيت عمي و قد هاجر و زوجته وإبنه الوحيد إلى أستراليا منذ عامين ومنذ ذاك الوقت البيت فارغ لا يسكنه أحد …
ولكن … 
بإمكانك أن تضيع نهارك كله في الطرق على الباب ولكن لن يفتح لك أحد …
كيف ذلك … ومن الذي يراقبني من الشرفات إذا ومن يطرق جرس الباب إذا؟ رددها في نفسه وهو يشكك فيما قيل له !

إلتفت عائدا إلى بيته وما أن وصل إلى الباب حتى سمع صوت جرس بابه يقرع … فأنصت متأكدا وتأكد أن جرسه هو الذي يصدر الصوت … فتأخر و نظر حوله إلأى طرفي الشارع الفارغ تماما … إلا منه هو فإقترب ودقق في زر الجرس … 
إقترب أكثر ركز … ليجد أن الزر عالق تتلامس خيوطه كل حين … وأن ذاك هو سبب إنطلاق صوت الجرس … ضرب الجرس بيده حتى تحرر زره نظر يمينا و يسارا و إلتفت إلى البيت المقابل وهو يغلق الباب …
أخذته هستيريا ضحك أسقطته جالسا على درج بابه الداخلي وأخذ يضحك على نفسه وما كان يعيشه من وهم وجود من يراقبه وكيف كان يتصرف بناء على وجود هذا المراقب … كم كان أحمقا ليعيش حياته متظاهرا من أجل الآخرين الذين لا يعيرونه إهتماما ولا يكترثون … حتى أنهم ليس لهم وجود إلا في ذهنه هو … 



شكراً

0 التعليقات: