بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الأحد، 8 نوفمبر 2015

لا تتأخري ...

By 9:52 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




على صوت المؤذن بالتكبير أفاق من نومة عميقة … الصوت مرتفع جداً فالمسجد ملاصق لبيتهم … و أحد مكبرات الصوت موجه مباشرة لغرفته التي إعتاد إبقاء نافذتها مفتوحة دائما  … يستفيق بمجرد تشغيل المكبر و يسمع صوت طقطقة المؤذن للتأكد من عمله … 
كمن بات ليلته في عراك و مصارعة مع عفاريت الشوارع… يشعر بجسده المتفكك و عظلاته المشدودة و الآم في مفاصله … تنهد … قام من سريره … نظر من النافذة وهو خارج من غرفته نحو مدخل المنزل … فتح الباب و وقف عند العتبة يحك شعره … ينظر للسماء … يفكر ، كم الساعة يا ترى … من ركن سيارته هنا … سأعرف كيف أمنعه من ذلك مجددا … 
مر أحد الجيران و حياه رافعا حاجبيه  … لم يهتم له … أغلق الباب و إتجه إلى دورة المياه …

وقف دقيقة ينظر إلى مقبض الثلاجة … مد يده … أمسكه … و بقي ينظر إلى الصورة المعلقة عليها بعض لحظات … ثم سحب الباب إليه و شرعه … نظر نظرة متفحصة لما فيها … لم تصادف عينه شيئا أغراه ليأخذه … حك أنفه و أذنه … أغلق الباب و إنصرف … نحو المدخل …
مر بغرفة الجلوس … ألقى نظرة إلى أمه الجالسة تقرأ في مصحفها … و التلفاز يصدر ضجيجه … بمحطة تعرض وصفات أكلات منوعة … لم يتوقف … حتى وصل إلى المدخل … سحب الباب ببطء شديد … و خطى خطوة ليقف عند العتبة … 

أرخى نفسه واقفا … لتنتفخ بطنه … و يهبط كتفيه … و تنحني رقبته … و رأسه يلتفت يمينا و يسارا في ذاك الشارع الضيق … 
بالكاد تمر منه أي سيارة … الجميع في أعمالهم و على وشك العودة لبيوتهم … و هو بفارغ الصبر ينتظر … تسمر في وقفته تلك … و عقله شبه فارغ من كل ما يمكن أن يراود شابا في عمره … كل ما يراوده … متى تعود … لقد تأخرت … لماذا تتأخر كل يوم هكذا ؟ 
تقدم خطوة واحدة من عتبة الباب و جلس متكئا على الطرف المغلق منه… و ضع يديه على ركبتيه كأنها ملقية … أسند رأسه على الحائط مستقبلا السحب … يردد في نفسه … هيا عودي … هيا عودي … أين أنت … هيا عودي … أغمض عينيه بشدة و صاح بداخله … هيا عووودي … سئمت الإنتظار … ما هذا … هيا عودي … لماذا علي أن أنتظر دائما هكذا … 

سمع صوت سيارة تقترب نهض من مكانه ليرى … إذا بها تدخل الشارع المقابل … ولا تستمر في إتجاهه … 
عاد و ألقى بثقله على عتبة الباب و جلس جلسته مجددا … ولكنه هذه المرة القى برأسه بين ركبيته و كاد يغيب في نومة تائهة …  حتى إنتبه لسيارة تقف أمام الباب مباشرة … بالكاد فتح عينيه … ليجد أخته قد عادت من عملها … فتحت باب سيارتها لتنظر إليه … رفع رأسه … 
قال … أريد عشرة دينار …
نظرت إليه نظرة خاطفة … نزلت من سيارتها و أغلقت الباب و دخلت البيت و هي تلقي له بورقة نقدية بقيمة عشرة دينارات … 
إلتقطها … و طار من مكانه … نحو اولائك الشباب … إقترب منهم و أشار برأسه … لأحدهم … سلم عليه … ليبادله حبة بتلك الورقة النقدية في مصافحة سريعة … عاد لحيث كان … و قد إبتلعها … 
ألقى بنفسه على العتبة متكئا على الباب و جزء من الحائط بجانبه … وضع يديه على ركبته و بينهما أسقط رأسه …  بقي مجمدا هناك بلا حراك ، لولا أنه كان يتنفس و صدره يرتفع و ينخفض … لإعتقد من يراه أنه فارق الحياة… 
سمع صوت آذان المغرب ليرتعد جسده و يعود لسكونه متنفسا ببطء …  سمع صوت باب البيت يفتح … و أخته تخرج في كامل زينتها … نظر إليها و قال … 

لا تتأخري …


شكراً…


0 التعليقات: