بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

اليوم الثالث ...

By 9:39 م

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





قطة تنهش كيسا أبيضا به بقايا رائحة لحم دجاج تتنازعه من قطة أخرى ... كلاهما يحاول الحصول على ما يسد الرمق ...

فئران تتربصهم بين أخاديد الحجارة و المواسير ... علها تحصل على بعض مما ينهشون او ... بعض منهم
جلودهم جافة ... شحيح الماء في الأجساد ... هدوء سكن المكان وما عاد لفراقه ... كأن الحياة اعتزلته و خاصمته
ظلمة حالكة في وضح النهار و الشمس في قلب السماء  ... لا يكاد احد يرى يديه أن مدها أمامه ...

أخرج الجوع فأرا تملأ جسده القروح من مخبئه ... أنفه يشتم رائحة يعرفها ... و لكن عينا واحدة فقط لا يمكنها أن ترى في كل الاتجاهات ... عاد إلى حفرته ... ولكنه لم يطل البقاء ليخرج مجددا ... فما يناديه للخروج أقوى مما يمنعه عنه ... خرج مسرعا إلى حيث يشتم رائحة قد تكون ... طعاما ... يركض ملتويا ... لا يحمل في تفكيره شيئا سوى ... شبعة لنفسه ...

مر بجانب بقايا حديدية تملأها رائحة طحن الحديد ... تجمد في مكانه تحت مخالب قطة هزيلة كانت تراقبه ... لم تنتظر موته حتى بين فكيها وضعته ... تُمزق تلتهم دون صبر ... تنهش تبلع دون مضغ ...

حدقة عينها توقفت عن الحركة ... سال الدم من فمها ... ولم تعد أذنيها تسمع صوت عضات الكلب الأسود و هو يحطم أضلعها يذيبها بين فكيه يقذفها يمينا و يسارا لتتفتت ... حتى ألتقم طرفها الأخر كلب يكاد يكون احمرا من شدة الجروح و القروح على جلده ... علا صوت النباح في بعد الشوارع الفارغة ... بصدى تغلغل بين جدران أبنية فارقت الحياة ... حتى وصل الصوت إلى أذني طفلة تلفها ظلال الموت في بقايا شقة بطابق عن الأرض مرتفع ... ارتعدت ... خوفا من أن هناك من سيأتي ليلحق بها الأذى ...

ترتجف تتضور جوعا ... حالكة سواد العين متشققة البشرة ... جافة الشفاه ... تحمد الله ان لم يبقى من سلالم المبنى شيء يمكنه أن يوصل إليها احد ... و إن كانت بحاجة إلى شربة ماء من يدك ... أي شيء ... تبعد به ظلال الموت من حولها ... مع برد يفترش الأرض يكسو الحوائط يحتوي المكان ...

مليء المكان بطعم كريه ... طعم مقرف لئيم ... أتشم رائحته... ركز الآن ... ها هي ... تنبع من بقايا أوعية حياة ... بقايا كريمة ... لأجساد لم تعد سكنا لأرواحها ...

يستمر ليل منتصف النهار ... تتقاتل حياة مع حياة لتجد ما يبقيها على قيد الحياة ...

جسد اخر يرتعد من شدة البرد و عمق الخوف في النفس ... عين تتربص يمينا و في كل الاتجاهات ... تحاول تسلق جدار لمنزل ... لبقايا منزل ... تتكئ على حجر و تضع فوقه آخر ...
بحرص شديد كأنه يزحف اقترب من نافذة ملتصقة في جزء من جدار ... التف حول المبنى ... ليس هناك من أرواح ... تسلل ... بين الحطام ... أسوار ... لأشباه غرف ... بعض دواليب محطمة ... هل من بقايا طعام؟
لا شيء ...
التفت فزعا لسماع صوت الكلاب تتصارع ... تنهش تنبح ... اختبأ ... أنفاسه تتسارع ... أفكاره معدمة ... إلا من كيف النجاة ... هل من خطر؟ ...

بالأحرى ... هل من طعام؟

فكر في أن يحصل على ما يتصارع عليه الكلاب ... لعله شيء يصلح للأكل ...

تبع الصوت ... بحذر متنقلا من خرابه إلى أخرى ... مرورا بين السيارات المحطمة ... و رماد الأشجار ... و هو يسد انفه بقطعة من قماش قميصه ... لكي لا يصل ريقه طعم الموت و نتانته ... لكي لا يقذف ما تبقى في جوفه من أمعاء ...

مر بجانب مبنى ... أحس أن به حياة ... التف حوله ... وصوت الكلاب يناديه ... فرأى أبخرة نفس ... تتطاير من خلف احد الحوائط ... بقايا حائط ...

اقترب ببطء شديد ... محاولا أن لا يحدث صوتا ... من أين يمكنه الصعود ... لا سبيل فالسلالم محطمة ... حاول من عديد الزوايا حتى وجد مكانا استطاع تسلقه و نظر من بعيد ... إذا هي ... طفلة صغيرة لم تعد تملك القدرة على سحب النفس و إطلاقه ...

وجد طريقا ليقترب منها ... ببطء ... لم تره ... لم تعره اهتماما ... فلم يكن لديها ما يكفي من قوة لتراه ... الروح تكاد تنتظر لحظتها لتغادر الجسد المرتعد ...

نظر حوله ... ليس لديه ما يمكنه فعله ... قلبه ضعيف ... قلبها أضعف ... لم يذق طعم الماء منذ يومين ... لم تذقه في حياتها ... فقد أنساها ما عاشته كل ما في عمرها عرفته ...

في سكون ذاك الدمار ... ابتعد صوت الكلاب ... كأنه لم يكن ... عم الصمت ...

اتكأ مرتخيا ... ارتخاء من لا يملك حيلة ولا وسيلة ... لينقذ نفسه حتى يستطيع إنقاذ طفلة صغيرة ... هدأ ... سكن ...

تناقصت أبخرة أنفاس الطفلة ... تباطأ ارتجاف جسدها وارتعاشه ... مسح على وجهها ... نظر إليها ... وجد أنها ارتاحت ... و لم تعد تشعر بألم الجوع  و البرد ... و لا الم الفرقة و الوحدة و الضياع ... لم تعد تشعر بألم التشتت و الدمار الذي حل بحياتهم ...

انحنى ... أغمض عينيها ... و بدأ يفكر في نفسه ... هل سينجو؟ عليه أن يتحرك ولا يبقى في المكان ...
لديه وقت ليكرم جسدها ولا تنهشه الكلاب؟

تذكر أنها في مكان يصعب على احد أن يصل إليه ... جلس في مكانه حتى رحلت الشمس و ازداد الظلام حلكة ... غطى جسدها بالحجارة  تأكد انه محمي ... و لن يصل إليه احد ...


التفت إلى الأفق ...






شكرا...


0 التعليقات: