بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الجمعة، 30 مارس 2018

ثقافة وحضارة مع صورة جمالية...

By 10:53 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


وضع ساقا على ساق وإتكأ على كرسيه ملتفتا بشقه الأيمن لصديقه قائلا وهو يرشف رشفة من فنجان قهوته المسائية المعطرة بماء الزهر... هل أنت مرتاح في حياتك مع زوجتك وأولادك؟ ، مستغربا في سؤاله قال، بالتأكيد حياتنا هادئة هانئة ولا نشتكي من شيء، ولكن لما السؤال؟ 
لا لشيء قال وهو ينفض يديه وينظر حوله بعد أن أعاد فنجانه مكانه ، ولكن تبدو حياتكم كئيبة رتيبة ليس فيها إثارة وكأنكم تعيشون في القرن الماضي أو الذي قبله، حتى ملابسك تبدو عتيقة لا تتماشى مع مكانتك بين الناس... زوجتك لا يبدو عليها السعادة ولا أولادك يبدو أنهم يعيشون حياتهم كما بقية أقرانهم... لا أرى تحضرا ولا يظهر أنكم تهتمون بأنفسكم أمام الناس، بل تعيشون حياة الفقر وعذرا في هذا الوصف ولكن تعيشون حياة التخلف عن البقية... 

وما الذي دعاك لقول ذلك يا ترى؟ قال مرتبكا محاولا إيجاد رد على كل ما علق به، وهو يمرر شريط ما يعرف من حياة صديقه أمامه متذكرا سيارته الفارهة التي يملك هو ثمنها وثمن أفضل منها، وتذكر زوجته الأنيقة الفاتنة وكيف تلفت إنتباه كل من تمر بجانبه ، وإبنته الزهرة المتفتحة الجميلة وكيف تبدو متحررة ونشطة تعيش يومها ، كما تذكر بيته العصري المليء بالتحف والغرف الفسيحة والإلكترونيات ، حتى أنه لديه مصعد في بيته وثلاجته ببابين كبيرين يمكنك حتى أخذ ماء بارد دون فتحها... وذاك المساعد الألي الذي تحدثه فينفذ طلباتك... وحديقتهم الخضراء التي لا تشبه حديقته... ناظرا إلى نفسه مقارنا نفسه به، وهو يسمع في نفسه أنه لا يعيش كما يجب، أنه ليس متحضرا ولا يعيش حاضره فعلا، وقد رنت كلمات صديقه في أذنه...

فقال صديقه ، أنا أعرفك جيدا أنت إنسان لا ينقصك المال وبيتك أكبر من بيتي ولديك من الإمكانيات أضعاف ما لدي، وإبنك في رعيان شبابه، ولديك زوجة جميلة ولكنها تبدو عتيقة المظهر كمن خرجت للتوة من مسلسل قديم، وإبنتك التي لن يلتفت لها أحد مادامت على ما هي عليه... الحياة فيها الكثير يا رجل إستفد مما لديك من مال، إستثمره في تطوير نفسك وتحسين جودة حياتك وكلي أكيد أنك تملك المال الكافي لذلك وأكثر، ولكنك تحتاج فقط لبعض الجرأة لكي تخرج من قوقعتك، وتغير من صورتك أمام الناس وتزيد حياتك حياة... وتطور من نفسك من أسرتك... يمكنك ذلك...
كانت كلمات صديقه ترن في عقله كما لو كان طنين جرس ضخم له ترددات يهتز لها جسده كاملا وترتعد بها أطرافه... وحساباته تجري بأرقام ومقاسات وأبعاد... أخذ رشفة من كوبه وربت على يد صديقه وقال... أراك لاحقا... 
إلى أين أنت ذاهب لم تكمل قهوتك بعد... 
رفع يده محييا له دون أن ينطق بشيء ... أخذ سيارته وإلى بيته إتجه... 

بعد بعض أشهر من تلك الجلسة... وصلت بطاقة دعوة مغلفة تغليفا راقيا أنيقا، قال الرجل لزوجته... ما رأيك هل نذهب؟ 
نذهب لمن؟ لا لن أذهب فلقائهم ممل وزيارتهم تغمر القلب بالحزن وكأننا نذهب إلى مأتم، لن أذهب... وإن بدت البطاقة راقية جدا وأنيقة، شككت أنها تكون منهم ، هل أنت متأكد أنها من صديقك ذاك؟
نعم... هي منه والدعوة لنا معا... لا أعرف سببها ولكنه يدعونا لحفل عشاء يقيمه في بيته، ولم يذكر فيه مناسبة...
وما يمكن أن تكون المناسبة يا ترى؟ أشك في أن هناك شيئا يستحق أن أجهز نفسي وأتعب لأراه...
لا أعرف، ولكن آخر مرة إلتقيته كنت صريحا معه وأخبرته عن حاله وأنه يعيش حياة كئيبة رتيبة... قاطعته زوجته قائلة... ويحك أحقا فعلت هكذا مباشرة أخبرته بذلك؟ لا يمكن أن تفعل!  
بلى فعلت ، وأذكر أنه حينها أخذ بعضه وإنصرف ولم نكمل الحوار، وكنت فقط أريد أن أراه بحال أفضل من هذا التزمت الذي هو فيه... 
لا أعرف كيف أتتك الجرأة ولكن يبدو أن تأثير كلامك معه أتى بنتيجة... إن كان الأمر كذلك، لابد أن أذهب لنرى ما حل بهم...
حسنا... نذهب... هل نأخذ لهم هدية؟؟ 
بالتأكيد سأتكفل أنا بذلك لا عليك أنت... 

عندما وصل الرجل وزوجته أمام سور منزل صديقه... قال لزوجته... هل لاحظتي كيف تغير السور ولونه وحتى أنه قصر وأصبح فيه فتحات أنيقة ، يكاد يكون البيت بلا سور؟ يبدو أن هناك تغييرات طرأت... الإضاءة في البيت تبدو مختلفة تماما ، فأكملت زوجته قائلة... متأكد أنه بيتهم؟ لا يبدو كما كان، فهذا بيت بطراز عصري أنيق جدا... 
بالتأكيد متأكد وفعلا كانه ليس هو... 

فتح الباب ليدخل وزوجته لتستقبلهم حديقة خضراء يكسوها العشب،  والإنارة في كل مكان مخفية تعكس ضلال الشجيرات وجلسة أنيقة بمظلة وسط الخضرة ، ورائحة الياسمين والفل تنعش الروح... وصديقه مرحبا بكامل أناقته مرتديا بدلة من طراز راقي بربطة عنق زهرية والإبتسامة تعلوه ... ومن خلفه أتت زوجته تسير ببطء وهي تطلق أمامها إبتسامة عريضة ترحب بالضيوف ، والرجل وزوجته ينظران لبعضهما البعض والزوجة لا تقدر على إغلاق فمها مما تراه ، فقد كانت تستقبلهم صاحبة البيت بلباس أحمر قصير مكشوف الكتف وبدت كأنها شابة في السابعة عشرة بتصفيفة شعرها المميزة جدا، وإبنتهم ذات السبعة عشر عاما تقدمت هي أيضا وإنحنت بهدوء محيية الزوجين وهي ترتدي بنطولنا ضيقا ، وقميص قصير يظهر شيئا من بطنها وكتفها أيضا مكشوفة وشعرها الطويل متدلي حتى خصرها... إنحت الزوجة إلى زوجها... لولا أني متأكدة أنهم هم لقلت أننا في زيارة لأوروبا ولسنا عند صديقك الذي أعرفه... لا أفهم شيئا... ولكن هل رأيتي كيف يمكن لأحدهم أن يغير من نفسه ويتطور، يبدو أننا بحاجة للتغير نحن أيضا... قال ممازحا...

جلس الجميع في صالة الإستقبال الفاخرة التي تم تحديثها مؤخرا وكانت من الفخامة لدرجة أنك تستطيع رؤية وجهك في الأرضية لشدة لمعانها ، وكل تلك الخطوط الدقيقة والتفاصيل الجميلة... والثريا المعلقة تتلألأ أضواءها تنعكس على الخيوط الذهبية المحددة للسقف تزيد الجلسة بهاء... إقتربت الخادمة التي ترتدي زيا أنيقا فاخرا جدا... وقالت بهدوء... العشاء جاهز تفضلوا... 
قام الجميع إلى مائدة طعام طويلة بكراسي ملكية وقد غاب عقل الضيفة في أطقم الطعام والملاعق والأكواب... وقلبها يكاد يذوب في كل تلك التفاصيل التي إكتملت بوجبة عشاء وخدمات كأنها فندق سبعة نجوم... 

خرج الجميع للجلوس في الحديقة تحت المظلة وكانت الجلسة معدة متكأ والفاكهة والمكسرات مجهزة، والزوجة تقول لزوجها... وكأننا في حلم... لا أصدق ما يحدث مازلت...
جلس الجميع وأخذ الزوجين يتحدثان ويتجاذبا أطراف الحديث، لتدخل صاحبة البيت وإبنتها بعد إشارة من زوجها... لتطفأ أنوار الحديقة ومن ثم تضاء بقعة أمامهم بألوان مختلفة تتراقص... ويسمع صوت لحن موسيقي يأتي من محيط الجلسة، ليتحول اللحن الهادئ تدريجيا إلى لحن شرقي بالعود والطبل... ليفاجأ الضيفان بخروج المضيفة وإبنتها في زي رقص شرقي وأخذن يرقصن رقصا شرقيا منظما ومنسقا وكأن هناك مدرب خاص دربهن، وقف الضيف على إثره وأخذ يصفق بحرارة وزوجته تنظر مشدوهة غير مستوعبة لما يجري وهي تجاري زوجها في التصفيق... وصاحب البيت يجلس مزهوا في طرب وفرحة أنه حقق تطورا وتحضرا وصورة جمالية فاقت توقعات صديقه...

شكراً...

0 التعليقات: