بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الأحد، 16 أبريل 2017

متى ننتقل إلى البيت الجديد؟

By 11:14 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته




متى ننتقل إلى البيت الجديد يا أبي؟ 
قريبا يا بني قريبا ... 

حصل على قطعة أرض مقتسمة من أرض واسعة قرر أن  يبني عليها بيتا... 
إستشار، بحث و سأل ... جمع الأفكار حتى يستغل قطعة الأرض بأفضل ما يستطيع ولا يترك شيئا للصدفة ... 
خطط الخرائط وحدد الأبعاد وعرف التكاليف وجدول الخطوات وكانت البداية بتنظيف الأرض من الأشجار و بقايا الصخور فيها حتى تكون جاهزة لعمال البناء ... 
توفيرا للمال بدأ بنفسه في إزالة الأشجار الصغيرة سهلة النزع وأضرم ناراً لم تستغرق كثيرا من الوقت حتى أتت على معظم الأغصان و الجذوع التي إقتلعها و باتت ملامح الأرض تظهر وبات الحماس يدب فيه أكثر كلما أخذت الأرض في التشكل أمامه ... 

والآن جاء دور إقتلاع الأشجار الأكبر حجما والأكثر إرتكازا في الأرض... وبات واضحا أنه إحتاج لمعاول أكبر و حبال ومنشار حتى يستطيع اقتلاع كل شجرة من جذورها حتى لا تعرقل البناء ... 

وسط الأرض كانت شجرة كبيرة منتصبة أتاها وأخذ يقلم أغصانها ليخفف منها قبل أن يقتلعها... وما لبث أن أتى على كل الأغصان وباتت كقطعة خشب ضخمة في وسط الأرض منتصبة ... 

فكر في قطعها ومن ثم إقتلاعها ولكنه إختار أن يقتلع أولا ثم يقطع ... حتى يكون التعامل معها أسهل ليتمكن من ربط الحبال و السحب للإقتلاع...

أشار عليه صديق بأن يبدأ الحفر حول الشجرة ليسهل إقتلاعها وربما إذا ما بدأ من جهة أكثر من غيرها فإن الشجرة ستسقط من تلقاء نفسها ويكون من السهل تقطيعها لاحقا...

أخذ يحفر حولها ويزيل التراب و يبعده حتى يجد مساحة يتحرك فيها ويزيد عمق الحفرة...

كلما حفر ظن أنه يقترب إلى حيث أصل الجذر أكثر، فيستبشر ويهز الشجرة أو يسحبها بالحبال محاولا إسقاطها ولكنها ما تزال ثابتة لا تتزحزح ولا تهتز عن مكانها...

إستمر في الحفر وإزالة التراب حتى إنتهى النهار ... فحاول مرة أخيرة ليهزها ولكنها بدت ثابتة كأنه لم يحفر حولها أبداً 

أتى بمن يعينه عليها في اليوم التالي حتى يتمكن من الإنتهاء بسرعة فأخذ الجمع يحفر ويحفر حولها لتعميق الحفرة وتوسعتها للوصول إلى تحرير الجذر من تشبثه بالأرض  ولم ينسوا ربطها بالحبال في الإتجاه الذي أرادوا أن تسقط فيه ... 

إنتصف النهار وقد صارت الحفرة أعمق و أوسع من ذي قبل وتكاد تأكل الأرض كلها إتساعا وما نتج عنها من تراب صار جبلا...ولكن الشجرة لم تتزحزح من مكانها شبرًا ...

جلس الرجال للإستراحة وتناول بعض الطعام حتى يعاودوا العمل وإصرارهم على إنهاءه اليوم متزايد... وأن ما أحرزوا من تقدم بدا مبشرا...

قاربت الشمس على المغيب وأخذ الإرهاق من الرجال مأخذه وصاحب الأرض متكئ على الشجرة يهزها وكأنه على جبل شامخ متكئ ... لا تتحرك ولا تتزحزح... ولا تهتز. 

شعر الجميع بالعجز والتعب... وكان صاحب الأرض قد إستنفذ قواه ولم يعد قادرًا على الإستمرار أكثر ممن أتى لعونه... 
فقرر أن يترك الأمر بعض أيام حتى يجد وسيلة تسهل إقتلاع الشجرة من مكانها ... 

مرت أيام على آخر مرة زار فيها الأرض ولكنه لم يكف عن السؤال و الإستشارة لإيجاد وسيلة لإقتلاعها نهائيا دون أن يبقى منها في الأرض شيء... ولكن كل محاولاته باءت بالفشل ولم تتزحزح الشجرة من مكانها ولا وصل هو إلى نهاية جذرها... 
فأصبحت الشجرة و إقتلاعها شغله الشاغل وهدفه الذي يراوده حتى في أحلامه ولم يعد يهتم بشيء غير رؤية قطعة أرضه خالية من من ذاك الشبح الخشبي المنتصب في وسطها ... 
يصبح ويمسي على فكرة التخلص منها و يمني نفسه بالإنتقام منها وتقطيعا وحرقها ، حتى ما سيتبقى منها من هباء سينثره في البحر.


أخذت الشجرة كل وقته حتى غمسته في هاجس التخلص منها و أخذته وأبعدته عن مخططات البناء و نسي أمر تعمير منزل له واكتفى بملاحقة هدفه في التخلص من الشجرة ...

متى ننتقل الى بيتنا الجديد يا أبي؟ 
سأل الطفل أباه وهو يرفع رأسه متطلعا لأب لم يرى فيه إلا كل العالم وهو أبطل الأبطال ...

مرت الأيام ... إخضرت الشجرة و نمت أغصانها ... 

أصبح الإبن شابا وبدأ البحث عن قطعة أرض له خاصة ،   ومازال يردد ذات السؤال ... متى ستبني البيت في الأرض يا أبي... فيرد الأب منتشيا ببوادر شيخوخته أن أهم مافي الأمر كله... أنه سيحقق هدفه و يقضي على تلك الشجرة حتى آخر جذر ...



شكراً

0 التعليقات: