بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

أولئك قوم عنصريين

By 8:39 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته



وضع ساق على ساق، وإستراح في جلسته على كرسي في زاوية بقمهى بوسط المدينة على الشاطئ يطل.

يحتسي شرابا ساخنا له تسمية عن هذه البيئة غريبة، يحادث صديقه عن تجربته التي لم يكن فيها ما يبهج النفس ولا يريح الخاطر، تجربة سفر إلى بلاد هناك في الشمال بعيدة، تلك البلاد، ليست إلا في وسط البحر، جزيرة... 
بلاد منها إنطلقت جيوش غفيرة ... لتحتل من العالم أطراف مترامية وإعتبرته لها ثروة مشتركة…
تجربة مليئة بالذل و قلة الحيلة و كثرة السؤال وقلة المال، كما وصفها…

فصّل و أبحر في وصف إمتعاضه وحنقه و بغضه لتلك البلاد وأهلها ومعاملتهم... فلم يكن لونه كلونهم و دينه كدينهم، وحتى طبعه في الحركة والكلام و وصفات الطعام كان مختلفا... 

كيف أن موظف الإجراءات متعمدا عطّل إجراءاته و أخّر أوراقه و طالب بتدقيق وفحص أكثر مما يطلبه من بني قومه… وهو مُذعِن لا حيلة له ولا إختيار…
تحسّر على ساعة دفع فيها للتذكرة ثمنا، وكله حماس لينتقل بأسرته لتلك البلاد… ظنا منه أنه سيجد حياة أفضل، وإعترف بحمقه عندما كان يمنّى نفسه بعيشة في هذه البلاد هنية، وحياة هادئة مريحة بالخير سخية...

كان قد كره باب بيته ولم يعد يطيق جاره ويكثر التهرب من حواره، لكثرة تردده و إصراره، كره سيارته ومدينته والطرقات، والعمل و المهمات، وكثرة الأوراق والطلبات، مع ضعف وإنعدام في الخدمات… 

قال خالد… أن الناس هناك ينظرون إليك نظرة دونية، ويتوقعون منك تصرفات غبية، ويمطّون شفاههم كلما رأوْا أسرة عربية… و حشد الأطفال، و الزوجة المحجبة تجر عربة محملة بالأثقال، والوجه عابس طوال النهار… لتسمع التأفف و أوصاف التخلف ودعوات العودة من حيث أتيت أيها المتحجرف المتخلف.

رد صديقه بشير الذي كان على الكرسي المقابل له يجلس، قائلا… 
أعرف جيدا ما تقول يا خالد، تلك شعوب عنصرية لا تتقبل الآخر كما هو، ولا تنظر إلى القلوب… 
عنصرية؟ رد خالد بحماس و شيء من العصبية…
العنصرية وصف لا يعطيهم حقهم في التعريف، هذا أكثر من عنصرية هذا جهل وعصبية وجاهلية وتعصب، تصور…أنك إذا دخلت متجراً من تلك المتاجر الصغيرة التي تجدها في ناصية الشارع... ستشعر وكأنك لص خبيث، ونظرات الجميع نحوك بالشرطة تستغيث... يلتفتون يدققون في كل حركاتك وربما يتظاهر العامل بترتيب الأرفف حيث إتجهت...
مراقبة لعدم الثقة و كثرة الشك و الريبة... يظنون أنك ما لم تحمل دما كدمهم... وبما أنك تدين بدين يَرَوْن فقط أنه يحرض على القتل والزواج من القاصرات وضرب النساء... فأنت لست إلا شبهة في أرضهم تستغل مقدرات بلادهم وتقبض الثمن من أموالهم... ألا يعلمون أننا نعمل بجهدنا ونكد ونجتهد ونتقاضى أجرا نستحقه؟ بل وندفع الضرائب أيضا!
وكلما عملت في عمل… تجد منهم نظرات تشعرك بأنك خطفت منهم شيئا ثمينا، وكان يجب أن يحصل على هذا العمل شخص منهم، و ليس غريبا على هذا البلد مثلك… غير أنهم في أحيان كثيرة، لا يملكون الجرأة لقول ذلك خوفا من القانون الذي يعاقب بشدة على كل تصرف عنصري يثبت حدوثه.

رد بشير وهو يقبض على يديه حنقا و تحسرا على ما آل إليه حالهم وقلة حيلتهم… وهوانهم على الأمم… قائلا… 

وعندما يأتوا إلينا، نرفع بهم الأرض ونركض خلفهم كمن رآى كنزا سقط من السماء... نحن أناس طيبون جدا ولسنا خبثاء مثلهم ولا عنصرية لدينا، أما هم فالعنصرية تجري في دمائهم ولا دين لهم يعلمهم أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى...
إنك تحلم يا صديقي… تحلم، ردد خالد وأردف قائملا… 
هم لا دين لهم يعلمهم أن الإنسان مهما كان، فهو إنسان مكرم من عند الله، مهما كان لونه ومهما كان أصله وبلده ولغته وشكله وهيأته ... هو إنسان يجب معاملته كإنسان، خاصة وأنك تصدّع رؤوسنا بقضايا حقوق الإنسان والسعي خلف إحقاقها وتحقيقها ليل نهار... ولكن بالتجربة التي مررت بها معهم؟!، لم أرى تعصبا عنصريا كالذي رأيته فيهم، ولم أشعر بالهوان في حياتي كما شعرت به عندهم.
- أهذا ما دفعك للعودة؟ قال بشير…
- لم يكن ممكنا أن أستمر و أعيش في هذا الذل وأقضي وقتي اجمع نظرات الإحتقار من الجميع...
- خير ما فعلت أن عدت إلى بلدك حيث ناسك وأهلك…
تنحنح خالد في مكانه و قال 
لنطلب الحساب ونغادر أريد أن أستنشق بعض الهواء النقي بعد هذا الحديث الذي إغتمت له نفسي و بالذي جرى هناك ذكّرني…
رفع يده ليشير إلى النادل بطلب الحساب… وإلتفت إلى بشير متسائلا بإبتسامة مشاكسة… 
- أنقول مبروك؟ 
- على ماذا تبارك؟
- هيا دعك من هذه الحيل… لم تخبرني عن تطورات خطوبتك إلى أين وصلت؟ أنقول مبروك أم ماذا؟
هز كتفه وهو يرتشف آخر رشفة من فنجان القهوة وألقى بنفسه على الكرسي وقال…
- لا ليس هناك مبروك ولن يكون هناك عرس ولا زواج أساسا…
- لا يا رجل، ماذا تقول لماذا؟ ما الذي حدث؟ غيرت رأيك؟ كيف تغير رأيك وأنت المتيم العاشق!
- لم يوافق أبوها، ولم يرضى حتى أن يستقبلنا عندما أردنا زيارته للحديث عن الخطبة…
- ولما؟ ما السبب؟ أنت شاب محترم و خلوق، و تكسب رزقك بالحلال و لن يرفضك أحد…
- أبوها لا يريد أن يزوج إبنته إلا لمن هو من قبيلتهم، وأنه لا يريد تزويجها من منطقتنا، رغم أننا جيران، وأنه يريدها أن تبقى قريبة منه حيث يعيش هو…
- أحقا ما تقول؟
- نعم هذا ما حدث… حتى أن كل محاولات التدخل و الوساطة لم تنجح معه.
- أحمق هذا الرجل، ومن يظن نفسه؟ هو من تلك القبيلة الوضيعة أساسا، وكيف يتجرأ بالحكم علينا بهذه الطريقة السمجة؟ ألا يدري من تكون ومن هم أهلك ومن هي قبيلتك، وما أصلك؟  ألا يعرفنا؟
إذا بالنادل يأتى بالحساب و ويضعه بين أيديهم، لينتفضا و ينظرا إليه نظرة إستغراب و إمتعاض… ليبادر خالد بعصبية وثوران موجها حديثه للنادل قائلا…
لما لم تستأذن عند إقترابك؟ أم أنك تريد أن تسترق السمع لما نقول؟ يجب أن تحترم الزبائن وتحترم خصوصياتهم، و يجب أن تتعلم كيف تعيش في هذه البلاد وإلا فعد من حيث أتيت لا مكان لك هنا بيننا، عد وعش بين أهلك و ناسك… يا لكم من قوم مزعجون، تأتون إلى بلادنا تأكلون خيرنا و ترسلوه لبلادكم ومن ثم تسبونا و تشتمونا ونحن نطعمكم و نأويكم و نحسن إليكم… يا لك من مخلوق وقح… أغرب عن وجهي الآن…



شكراً

0 التعليقات: