بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

الأحد، 22 مايو 2016

تواصل إجتماعي ...

By 10:03 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




خرج من بيته فاردا صدره بتحدي صاخب وهو يقول … 
إن كان فيكم رجل ، ليقل لي أنني مخطئ و ليس لي حق فيما أقول 
فصاحت زوجته قائلة … 
توقف إلى أين أنت ذاهب تطرق أسماع الجيران ، و تزعج سكونهم !؟
إلتفت إليها بشرر يتطاير من عينيه وهو يقبض بيديه في الهواء …
سأرى كم من الجيران أعجبه كلامي و كم منهم سيرد عليه ، و كم منهم سمعه ولم يبالي به أبدا ، وإلا فلما هو جار يسكن في حينا … ليذهب و يبحث عن مكان آخر ليعيش فيه ، ولا حاجة لنا بهذه الجيرة الشكلية التي لم نملك منها إلا إزدحام شوارع حينا … 
ما حاجتنا ليقال أن حينا فيه سبعون بيتا ولا نرى ولا نتحدث إلا لخمسة بيوت فقط يتفاعلون معنا ، أهي جيرة بالإسم فقط ؟ منظر فقط؟
ما حاجتنا بهذه الجيرة ليذهب كل من لا يتفاعل معنا ولا حتى يحيينا صباحا ولا يرد على ما نقول ويناقشنا، و يجد لنفسه بيتا في مكان خالي ، ولا حرج لي في هذا الحديث أبدا … ولست أستحي … 

سأصفي الجيران واحدا واحدا و لن أترك منهم إلا من كان حقا جار و يؤدي حق الجيرة ، أما من كان منكفيا على نفسه يراقب ما يحدث في الشارع فقط و يسمع ما نقول ولا يتفاعل معنا ولا يرد ويشاركنا ، فهذا سيكون منبوذا و سنقوم بحضره من الشارع … 

ولكن ليس من حقك أن تجبر الناس على أن يتفاعلوا معك 
بل من حقي 
لا ليس من حقك ، الحي حيهم أيضا و المكان مكانهم ، و لكل الحق في فعل ما يريد بحياته 
إذن لما يسكن بجوارنا؟ و يتابع أخبارنا؟ 
هم أحرار فيما يفعلون ، ما شأننا نحن ؟ هل نسألهم عن ما يفعلون 
نعم يهمني ما يفعله الجميع بالتأكيد 
إذا أنت تحشر أنفك في حياتهم ولا يحق لك ذلك …
أصمتي يا إمرأة ، أنت لا تعرفي عن الحياة الإجتماعية شيئا … أنا أفهم جيدا ما أفعله …
بالتأكيد أنت تفهم أكثر مني وتعي ما تقول و لك خبرة أطول ، ولكن لنؤجل الطرق على بيوت الجيران وندعهم و شأنهم الآن ، لندخل و نتسامر معا فيما يهمنا نحن فقط ما رأيك؟
إرتخت قبضته ، و أنكمش صدره و إرتخت عضلات وجهه … و قال مبتسما يحرك حاجبيه… 
هل تجهزي لنا الشاي و المرطبات؟
أمسكت بيده و سحبته إلى الداخل و هي تقول … 
المرطبات و الحلويات و ساحكي لك حكاية ، أتدري ما حدث بين أم سعيد و جارتنا أم الخير؟
لا … ماذا جرى ماذا هناك أخبريني  … 
تعال إجلس لإخبرك ما فعلت ، تعال … 

قلب الصفحة و إختار خصوصية التعليقات لكي لا تعرض على العامة ولا يراها إلا هو و هي فقط و أخذ يتبادل التعليقات بينه وبين زوجته و كل منهما يضغط زر الإعجاب على ما يقوله الآخر ، و يرد عليه و يتبادل الإثنان الملصقات المضحكة المعبرة عن مشاعر كل منهما في تلك اللحظة … حتى أخذهما النعاس و سقط الهاتف من كل منهما ليغلبه نوم عميق … 


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

السبت، 30 أبريل 2016

اللقاء ...

By 10:24 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



طرابلس … هدوء الثلث الآخير من الليل إحتل وسط المدينة …  هدأت الساحة ذات الأرضية الخضراء و الأضواء بها تحيط تحيل ليلها نهار … إنقطعت أصوات العربات و محركاتها ، سكنت الأنفاس في بيوتها ، حط الطير في عشه … نامت العيون الساهرة في عرباتها … سكن الهدوء أيضا  … 
في تلك الليلة الصيفية الدافئة …  كان سراب تبخر الحرارة يبدو كثيفا من الأرض منطلق …  عم الصمت و ركدت الريح وكل من يتنفس …
هدوء تام … 

عين في تغطيها الظلال خلف إحدى النخلات عند الإستراحة من جهة الفندق الكبير شمال شرق الميدان كانت تراقب … وتتفحص … لتأكيد أن لا أحد يراها … نظرت إلى الأعلى على يمينها وهي تنظر جهة مدخل السراي الحمراء … عقدت السبابة والإبهام وبهما شدت لسانها ونفخت فيه لتصدر صوت صافرة خفيفة بالكاد سمع صداها …
إلتفتت إلى اليسار أقصى الساحة عند النافورة المائية و أطلقت صافرة أخرى … إخترقت ذبذباتها أبخرة حرارة الساحة لتصل أصحابها … 
تراجعت العين خجلة متبعة الظلال ودخلت خلف الشجيرات الكثيفة بين الشوارع … وضعت يدها حول رقبة حيوان آلف كل منهما الآخر و إحتظنته … وإلى جانبه جلست تنظر إليه بهدوء يقف… وأخذت تنتظر … 

عند السراي … صوت وقع سوط يضرب الهواء و صهيل فرس يضرب بحوافره أرضية رخامية يأتي من علو … تهب معه رياح تثير بعض غمامة ترتفع مع المسلة المقابلة لمدخل السراي الحمراء وتختفي … و ينطلق ظل نحو الشجيرات حيث أتي الصوت …

تشقق في الصخر و تصدع يعقبه صهيل فرس و خفقان أجنحة و حمحمة … تحركت معها النافورة و إهتزت ليتناثر بعض الماء على أرضية الميدان و يعقبه أثر إتجاه ظل صاحبه نحو الصوت عند الظلال بين الشجيرات … 

دخل الفارس بفرسه بين الشجيرات ليجد فتاة جالسة بجانب حيوانها وهي تحتضنه … لم يكن يرى بوضوح ولكنه عندما تقدم أكثر … قال بدهشة …
- غزالة؟ أنت بخير؟ ماذا تفعلين هنا؟
لتأتيه إبتسامة و ضحكة ناعمة تقول 
- أنا لست غزالة … أنا الحسناء … و هذه غزالة أم أنك كبقية الناس تختصر إسمي في الغزالة 
قال الفارس في خجل حياء مليء بالمروءة … 
- أنتِ تعرفي أنه لولا ستر الظلام لك لما إستطعت النظر إليك مباشرة وما ساعدني على معرفتك هي الغزالة 
- لا عليك ، و صدقني ليس بيدي أن أرتدي شيئا أو لا ، فلم يصنعني والدي إلا على هذه الهيئة … 

إنتبه الإثنان لخشخة الشجيرات من خلفهم … لتنحسر على فرس البحر الطائر يقترب منهم يضبح ويصهل ويخفق جناحيه … فرحا 
- لا أصدق غزالة و الحسناء … 
إلتفتت غزالة إلى الفارس وقالت 
- أرأيت هذا هو إسمي … الكل يعرفني بالحسناء وليس غزالة
فرد الفارس مباشرة 
- ربما لأنكما أقدم مني في المدينة و يعرف بعضكم بعضا أكثر مني … ولكن الكل يناديك غزالة هنا
فقال الفرس … 
- أين كنتِ ولما لم تطمئنينا عنك ظننا أنك أختطفتي؟ إنشغلنا عليك لم نرك منذ مدة … 

طأطأت الحسناء رأسها في أسف و حزن وهي تحرك يدها على الغزالة و تربت على رقبتها وقالت … 

- لولا تعلقي بهذه الأرض وحبي لها و قضائي فيها أكثر من سبعين سنة لرجعت مع البارجة البريطانية التي أجلت رعاياها عند إندلاع حرب المطار و طلبت منهم أن ينزلوني في إيطاليا حيث دفن أبي هناك … ولكني فضلت الإختباء و التواري عن الأنظار حتى أرتاح وأهدأ وأبتعد عن كل هذه الفوضى  
- وما الذي أتى بك إلى هنا الآن ، ألا تخشين أن يراك أحد؟ قال الفرس 

- لست أخشى أحدا فليس بقمدور أحد أن يعرف أين أنا أو أن يراني ، فمعرفتي بالناس هنا قديمة وأعرف طباعهم جيدا 
- كل ما في الأمر أننا نريدك أن تكوني بخير … أردف الفارس 
أعاد الفرس سؤاله … 
ولكن مازلت أريد معرفة ما الذي أخرجك من مخبأك؟ 
- أردت الحديث معكم لمعرفة ما رأيكم فيما يمكننا فعله لإصلاح ما أفسده هؤلاء القوم!
قال الفارس وهو يشد لجام حصانه الذي أخذ يضرب الأرض بحافره 
- لا فائدة لا تتعبي نفسك لن تستطيعي فعل شيء ، ما لم يكن هناك من يستمع 
- إلا إذا فزت في أحد المباريات يا فارس ، عندها ستمتلئ الساحة و تضج بالفرحة … قال فرس البحر 
هز فارس رأسه متأسفا … 
- لا تذكرني ، ليتني أملك القدرة على ترك مكاني و الهرب ، فرؤية تلك الجموع كلما أقبل إحتفال وتفرقها كلما إحتاج العمل … بات يزعجني حقا
- ربما تستطيع الهرب ولكنك تفضل ما إعتدت عليه … قالت غزالة 
- وكيف أقنعتي الغزال أن يتبعك وسيطرتي عليه ولا يفتضح أمرك؟
- الغزال جزء مني ولا ننفصل عن بعضنا أبدا 
- حسنا ما العمل الآن ، قال فرس البحر خافقا بجناحيه  
- ما رأي إخوتك ؟
- رأيهم من رأيي فنحن الأربعة نفكر معا نعيش معا نفعل كل شيء كأننا واحد ، وهم الآن يسمعونك بسمعي و يرونك برؤيتي وما أقول هو ما يقولون … 
إلتفت إليه الفارس رافعا سوطه ملوحا به … 
- ليتنا نستطيع جعل أهل البلد يتصرفون مثلكم يا فرس البحر ، أن يجتمعوا على ما يصلح بهم …
- لا تأثير لنا عليهم ومهما فعلنا فإننا لن نستطيع إقناعهم حتى للكف عن الإجتماع هنا في الساحة كلما أرادوا الإحتجاج أو الفرح و الرقص و الغناء و صم آذاننا بالمفرقعات و الهتافات المتعالية وضرب المنصات و التوعد …
- أنا شبعت من الوعود وأردت العمل وليتني أستطيع لكنت فعلت … ولكنهم لم يشبعوا ولم يعملوا…
وقفت غزالة وإقتربت منهم ، ليخفي الفارس وجهه مستحيا … قال 
- غزالة إبقي حيث أنت أرجوك … 
ضحك فرس النهر وهو يخفق بجناحيه و يهز ذيله يضرب به الأرض ، و تراجعت غزالة لتعود إلى الظل لإخفاء جسدها العاري في الظلمة حيث كان  … 
- إسمها حسناء وليست غزالة ، ما بك يا فارس … 
قالها فرس البحر مقتربا من الفارس غامزا فرسه الذي أخفى وجهه إستحياء
- لن تفهم أنت معنى الحشمة والحياء لأنك حصان ، ولو لم تكن حصان لفهمت 
- هذا ما تظنه أنت فقط … 
قاطعتهم حسناء بصوت خافت حزين متألم … 
- أشعر بالحزن لما حدث ويحدث ، لم أكن أتوقع أن كل أولائك الذين رأيتهم يحومون حولي في أفراحهم و مسراتهم وبهجتهم يملأون السيارات والمدينة بهجة ، يمكن أن ينسوا أنفسهم و تغريهم الدنيا ويتكاسلوا عن العمل و حب بعضهم البعض و تجرهم أطماعهم ويستسهلوا قتل النفس …
- لا عليك يا غزالة ، لا عليك فهذا ليس بالأمر الجديد على بني البشر قال فرس البحر 
- ولكننا أهل جود و كرم و نقف مع الحق و ننصر المظلوم و نوقف الظالم عند حده ولا نرضى المهانة ولا نرضى الذل … 
- هذا ما أنت عليه يا فارس … أصيل إبن أصيل 
- أتعرف يا فارس ، أتعرف يا فرس! 
إلتفت الإثنان إليها في صمت فقالت 
- ليت سبتيموس كان معنا …
- صحيح لو كان هنا لأعطانا رأيا سديدا فهو خبير في مسائل الحكم و الحرب … قال فرس البحر
فتحرك فارس بفرسه و توسطهما وهو يحاول أن لا يقع نظره على غزالة … 
- ولكن الواقع أن ما يحدث لا يحتاج إلى أكثر من بعض العقل و الشعور بالمسئولية تجاه النفس والبيئة التي تحتويك ، يحتاج إلى مروءة رجال والكف عن السفاهة و لجم الطمع وتوحيد الهدف وتأجيل الخلاف … 
- هذا الكلام لا يفهمه البشر يا فارس 
- بل يفهمونه و يعونه جيدا ، ولكن أعماهم الطمع و جرتهم العاطفة 
- لهذا قلت لك أنهم لن يفهموه ، وليتهم فقط يجتمعوا كما إجتمعنا نحن الجماد ... 

رضي فارس بما قاله فرس البحر على مضض و أراد أن يكمل كلامه لولا أن سمع صوت محرك سيارة يقترب من أقصى شارع البلدية … مما دعاهم جميعا للإنطلاق إلى أماكنهم والإشارات بينهم تؤكد على أن يحافظ كل منهم على سلامة نفسه … 
عاد كل منهم إلى مكانه … و عادت غزالة للإختفاء … و كل منهم كان يحمل في قلبه رجاء أن تصل أمانيهم لأهل هذا البلد بأن يتذكروا أنها أوسع من أن تضيق بهم جميعا وأن ما فيها من خير لا يمكن أن يثمر إلا بإجتماع كلمتهم و تمسكهم بما بينهم من قواسم مشتركة … أشياء يحتاجها الجميع و يصر عليها … وبالإمكان تحقيقها واقعا ليس فقط حلم … 

شكراً…


أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 26 أبريل 2016

هدية العرس ...

By 10:53 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


رزق بكرم واسع كما رزق بوفرة المال  … 
صارت إبنته صبية وتهافت عليها الخطاب حتى تحدد لعقد القران موعد و كذا الزفاف … 

وها قد أتى من يقترح تفاصيل مراسم عرس حافل لم ترى البلد له مثيلا  ... 

عرضت الإختيارات بتنوعها … من ألوان و أنواع خط و أقمشة و زينة و أغلفة و مغلفات و شتى أنواع الحلوى و المكسرات … و البطاقات … والصالات والمراسم و نظم المقاطع المصورة لعرضها في ليلة الفرح 

فما كان منه إلا أن طلب من منظم الحفلات أن يزوده بتفصيل دقيق لكل ما سيكون في الحفل و تكلفته كاملة دون تفصيل ... فلا يهمه المال كثيراً بما لديه من خير بفضل الله وفير  ...

تفاصيل مدهشة جدا تلك التي نسقها منظم الحفلات… فبدا وكأنه يخبره بشيء من خيال ألف ليلة و ليلة ... وكل شيء تم الإهتمام به ... حتى مصمم لباس العرس تم ذكره ...

كم يحتاج هذا التجهيز من وقت حتى يكتمل ؟ قال مخاطبا مصمم الحفلات 
ثلاثة أشهر و يكون كل شي على أتم الإستعداد و التجهيز … رد المصمم قائلا والإبتسامة تملأ وجهه مستبشرا

أخذ تقريرا كاملا بالتكاليف و قيمتها … وعرف التفاصيل ودقتها … وقال

حسنا سأعلمك بردي عن هذا العرض ...

أخذ يحسب حساباته ويهيء نفسه... و يجهز هدية إبنته ... و زوجها ... وكان يفكر في شيء مميز لم يسبق لأحد أن فكر فيه أو فعله ... شيء مميز جدا … يكون له تأثيره … يكون له وقعه الحقيقي … 

أخبر إبنته التي بذل جهدا لتربيتها خير تربية … وحرص على أن يزرع فيها الخلق و الحياء والعفة أن كل شيء سيكون جاهزا في الموعد ولا تفكري في شيء ... أريدك أن تكوني مميزة دونا عن الجميع ... لن تكوني مثل غيرك... ستكوني مميزة جدا … 
قالت في خجل المحبة لأبيها الحانية عليه …
أعرف يا أبي كلي بك ثقة و أعرف جيدا أنني بين يدي أمين ولن أخف أبدا ... و إفعل ما ترى ...

أخبرها يوما أن سيأتي من يأخذ مقاساتها مِن أجل فستان الفرح … فقد بات موعد عقد القران وشيكا … ولابد أن يجهز كل شيء …
ها هو يوم الزفاف … حل 
إختار و هيأ كل شيء بنفسه … فكان حفلا رائعا مميزا بسيطا خفيفا … وزعت فيه الحلوى و العصير وخلا من كل مظاهر البهرجة والإسراف و التبذير ، بل كان كل شيء بحسن التقدير … أبسط ما يكون جمالا… 

و كانت هديتها ... فرحة وبهجة أدخلت لقلوب كثيرة ، بتكوين أسر جديدة و زفافهم في ذات الليلة ...
فقد إختار أن يتم تزويج خمسة أزواج آخرين بتكلفة عرسها الذي ألغي كل ما إقترحه مصمم الحفلات الشهير و أقيم حفل خفيف لم يتكلف فيه أحد شيئا وزعت فيه العصائر وبعض الحلوى ، فرح الجميع و إبتهجت العروس و وجدت وقتا لتشارك الفرحة مع صديقاتها المقربات الحبيبات … و تحدثهن بفرح وهي ترتدي فستانها المميز ببساطته جمالا وأناقة … و وجد العريس وقتا بإرتياح ليتشارك الفرحة مع من يحبهم و يحبوه … في بساطة وإرتياح دون تكليف …

لتسعد العروس بمشاركة الفرح قلوب أخرى … وكانت بحق … هدية عرس مميزة … 



شكراً… 
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 24 أبريل 2016

كتاب اجتماعياتي للتنزيل بصيغة PDF

By 10:54 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




بفضل من الله و توفيقه تحول  " اجتماعياتي " الكتاب إلى نسخة إلكتروني و صار متوفرا للتحميل بحجمين مختلفين ، كل منهما  نسخة عن الآخر غير أن الإختلاف في الجودة فقط بعد تحويله من كتاب ورقي إلى كتاب إلكتروني بصيغة بي دي اف PDF ، و التفاوت في الجودة بسبب آلية الضغط و التحويل 
بإمكانك تنزيل أي من النسخ من الروابط التالية ( إضغط على الرابط مباشرة وسيتم تنزيله أو فتحه في صفحة جديدة منها تستطيع إختيار التنزيل ) 




شاكرا إهتمامك ... أرجوا أن تضاء شاشتك بتصفحه والإطلاع عليه و أن يكون مؤنسا لك صاحبا خفيف الظل 


شكراً... 





أكمل قراءة الموضوع...

الخميس، 21 أبريل 2016

جرس الباب ...

By 9:58 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





تحركت ستائر الشرفة في الطابق العلوي دون سبب واضح لتحركها … ولكن من الجانب الآخر ظلا كان يعكس عينا تتفحص حولها و تنظر لشرف البيت المقابل بحثا عن من يراقبها … ولكن لم يكن يظهر أنه هناك من يراقب … 
لعلهم يجيدون الإختباء ولكنني متيقن أن هناك من يراقبني بإستمرار و يرصد كل تحركاتي … 

أخرج سيارته من جراجه وأغلق الباب بضغطة زر من مداليته … إنصرف بسيارته وهو يشعر أن هناك من يراقب حركته …
جلس حيث يحصل على قهوته و يقضي بعض الوقت مع صحبة إتخذت من هذا المقهى الحديث ملتقى لها … وهو ذاك الإحساس بأن هناك من يراقبه و يترصده ملازم له وإن تظاهر بعدم الإهتمام و زاد في الإنسجام بالحديث وما يحتسي من قهوة … 
عاد عند هبوط الظلام إلى منزله ولكنه قبل أن يدخل السيارة إلى جراجه مرة عبر الشارع مرورا كأنه شخص غريب … و عينه تراقب الشرفات و تنتظر الأضواء لتفضح أي من الشرفات في البيت المقابل يترقب ساعة حضوره وينظر ما أحضر معه … 
عاد وأدخل السيارة مباشرة إلى جراجه بعد أن فتح بشكل آلي … 
أحكم إغلاق سيارته و سار في الحديقة مترنما بلحن إنسجام وعينه تتراقص يمينا و شمالا تتربص من يتربص به وإن تظاهر هو باللامبالاة وأن تصرفاته طبيعية … 

إرتاح في بيته وإسترخى وأخذ يشاهد التلفاز ويرفع صوته وهو يشاهد برنامجا كوميديا ، وفي ذهنه أنه يُسمع من يراقبه وينصت إلى ما يشاهده من الجيران وهو يحدث نفسه أنهم يسمعون وليعرفوا أنه يقضي وقتا ممتعا وأنه سعيد … 

أخفض صوت التلفاز عندما سمع صوت قرع جرس الباب … وأنصت ليتأكد من صدور صوت الجرس… إقترب منه ونظر من العين السحرية التي لم تره أكثر من باب الحديقة المقابل لباب بيته … من يكون يا ترى … صعد إلى غرفته ليرتدي ما يليق بوقوفه أمام البيت وإستقبال هذا الزائر المتأخر في الوقت ، هل تراه أحد الجيران إنزعج من علو الصوت ؟ أم هو فقط أتى إلى هنا بغثة حتى يراني كيف أبدو وأنا في بيتي ؟

أسرع إلى الباب بعد أن تمهل في تغيير ملابسه … فتحه راسما إبتسامة على شفتيه … ولكن لم يكن هناك أحد في إستقبال إبتسامته … 
إلتفت في كل إتجاه دقق النظر … تظاهر بعدم الإهتمام لمن يراقبه من البيت المقابل … أو ظن أنه يراقبه … و لكنه تظاهر بعدم الإهتمام وأغلق الباب و عاد لتغيير ملابسه من جديد … 

لكنه ما أن جلس بعد إرتداء ملابس البيت ليكمل مشاهدة برنامجه ، حتى سمع قرع جرس الباب من جديد … فتأفف غاضبا ونهض مسرعا للباب ولكنه أراد أن يرتدي ملابس تليق بفتحه فعاد إلى غرفته و لم يتمهل هذه المرة حتى يلحق من على الباب يطرق … 
عندما فتح الباب راسما ذات الإبتسامة على وجهه … لم يجد أحدا عند الباب … شعر بالغيض و الغضب ، وأحس أن جاره صاحب البيت المقابل هو الذي يفعل به ذلك ، وأنه فقط يريد أن يزعجه لأنه يحسده على كل شيء ، كل شيء هو فيه يحسده عليه ولم يكن ذلك خافيا عليه لأنه يعرف أنهم يراقبونه كلما خرج و دخل كالكميرات تصور مسلسلا تلفزيونيا لحياة أحد المشاهير … 

ولكنه مع غيظه وتأفف و تعصبه إلا أنه تمالك نفسه و لجمها الهدوء و الإبتسامة حتى لا يظهر لمن يراقبه أيا كان أنه حقق مراده أو أغضبه … إبتسم وهو يغلق الباب … و إستمر على ذلك حتى دخل بيته وكاد يصيح صيحة مدوية لولا أنه خشي أن تسمع فكتم صوتها ولكنه أطلقها بداخله … 
وهذه المرة قرر أن يبقي ملابسه دون إستبدالها بملابس البيت و جلس متأهبا لفتح الباب … 
إنسجم في المشاهدة و نسي أمر الجرس حتى آخذه النعاس وقد تأخر الوقت … 
فإستفاق على ضجيج قرع الجرس من جديد فهب واقفا وهو في حالة ذهول و إستغراب ما الذي يجري … ركض نحو الباب هندم نفسه قبل أن يفتحه و إنطلق … نظر في كل إتجاه ولم يكن هناك من أحد … 
بالكاد تمالك نفسه وكضم غيظه وعاد أدراجه إلى الداخل … 
هل أبقي الباب مفتوحا؟ 
أأطرق على جاري في هذه الساعة من الليل أم أشكوه للشرطة … 
غدا صباحا يجب أن أتصرف بلا شك … سأتصرف …


أعياه التعب فألقى بجسده على فراشه بما يرتديه من ملابس ولم يملك الرغبة لتغييرها بملابس النوم … ونام حتى الصباح … 

أفاق صباحا على صوت قرع جرس الباب مجددا … فتكاسل في الحركة ولكنه تذكر ما حدث معه البارحة … فنهض مسرعا نحو الباب ، نظر إلى وجهه في المرآة ، لم يكن أبدا وجه إستقبال و كيف سيبدو أمام الناس … دخل بسرعة إلى دورة المياه بلل وجهه و جففه … ضرب على خده بضربات تنشيط و أسرع نحو الباب … 
لا أحد عند الباب … لا أحد … كاد صبره ينفذ … فقرر أن يطرق باب جاره المقابل الذي تؤكد له شكوكه بأنه هو من يفعل ذلك وهو من يراقبه دائما و يترصد كل حركاته … نوافذه تشهد على ذلك و ستائرها أيضا … 
وقف أمام باب جاره ضاغطا على زر الجرس … و تأخر قليلا في وقفته وإنتظر 
لم يأتيه رد … فأعاد الكرة بشكل مطول هذه المرة …
وإنتظر فترة أقل … فأعاد الكرة مرة ومرة ، ولكن لا أحد يجيب …
أخذ يطرق على الباب … طرقا خفيفا و يعيد ضغط زر الجرس … 
حتى سمع صوتا يناديه من خلفه … 
لا أحد في هذا البيت لا تتعب نفسك 
ما أدراك أن لا أحد في البيت هناك من يسكنه 
لا أحد يسكنه هو بيت عمي و قد هاجر و زوجته وإبنه الوحيد إلى أستراليا منذ عامين ومنذ ذاك الوقت البيت فارغ لا يسكنه أحد …
ولكن … 
بإمكانك أن تضيع نهارك كله في الطرق على الباب ولكن لن يفتح لك أحد …
كيف ذلك … ومن الذي يراقبني من الشرفات إذا ومن يطرق جرس الباب إذا؟ رددها في نفسه وهو يشكك فيما قيل له !

إلتفت عائدا إلى بيته وما أن وصل إلى الباب حتى سمع صوت جرس بابه يقرع … فأنصت متأكدا وتأكد أن جرسه هو الذي يصدر الصوت … فتأخر و نظر حوله إلأى طرفي الشارع الفارغ تماما … إلا منه هو فإقترب ودقق في زر الجرس … 
إقترب أكثر ركز … ليجد أن الزر عالق تتلامس خيوطه كل حين … وأن ذاك هو سبب إنطلاق صوت الجرس … ضرب الجرس بيده حتى تحرر زره نظر يمينا و يسارا و إلتفت إلى البيت المقابل وهو يغلق الباب …
أخذته هستيريا ضحك أسقطته جالسا على درج بابه الداخلي وأخذ يضحك على نفسه وما كان يعيشه من وهم وجود من يراقبه وكيف كان يتصرف بناء على وجود هذا المراقب … كم كان أحمقا ليعيش حياته متظاهرا من أجل الآخرين الذين لا يعيرونه إهتماما ولا يكترثون … حتى أنهم ليس لهم وجود إلا في ذهنه هو … 



شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

الصرعة ...

By 10:38 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




دفع الباب و دخل الغرفة مسرعا بعد أن فقد الأمل في الحصول على رد لكل مكالماته التي إعتاد أن يكون الرد عليها قبل أن تكتمل النغمة الأولى و يسمع صوته … ولكنه هذه المرة لم يعد يذكر عدد المحاولات التي إنقضت ولم يأتي الرد ، فخشي أن يكون قد أصابه مكروه أو أن شياء ما قد حدث 

ولكن ها هو وجده منكمشا منزويا بجزء من زاوية الفراش يضم ركبتيه إلى صدره ويقضم أصابعه و الرعب والهم باد على وجهه و قلبه يعتصر والجبين مقطب هلعا وجزع ، وحوله مجلات و أوراق مبعثرة وبينها لمح الهاتف على الأرض ملقي على وجهه … 
بادرت إليه مقتربا ففزع أكثر و تأخر ملتصقا في الجدار خلفه … كأنه يقول لا تقترب مني لا تلمسني إتركني لوحدي، و تلك النظرة المليئة بالأسى والخذلان التي لن أنساها ما حييت ...
وقفت مكاني… أحاول تقييم الموقف وفهم ما يجري دون أن أدخل مساحته أو أزعجه أكثر و أحاول أن لا أزيده وأخفف عنه… ولكنني بحاجة لأن أفهم ما جرى حتى أستطيع التخفيف عنه … 

جلست قبالته على كرسي الخشب و أخذت أطالعه و أدقق فيما حوله وفي المجلات التي كانت متناثرة ملقية مبعثرة حوله وزاد في حيرتي أنني كلما وقعت عيني على صفحة من صفحات مجلة لاحظت أنه يزداد إرتعادا و إهتزازا ورعشة وينظر إلي نظرة خاطفة ويعيد النظر إلى صفحة المجلة ثم يغطي وجهه بيديه وهو يأن ويبكي في صمت وتكاد الأبخرة تتصاعد من رأسه لشدة الحرقة في البكاء و الأنين... 
مددت يدي لألتقط مجلة فزاده ذلك رعبا ... 
ولكن الصفحات كلها كانت على تصميم جديد لقميص رجالي ... والكلام كله يشير إلى أن هذه هي صرعة الصيف القادم و يروج لها أشهر دور تصميم الملابس في باريس و روما و نيويورك ...
أخذت أقلب المجلات الأخرى وحتى جهازه المحمول لأجد أن كل الصفحات والمجلات تتحدث عن هذه الصرعة الجديدة والإقبال عليها ومواعيد إطلاقها في محلاتها الضخمة حول العالم … 
ومع ذلك لم أفهم سر ما أصابه وما يفزعه ويبكيه ويضعه في هذا الحال ويمنعه من الرد على إتصالاتي ...
نظر إليه وقال:
أخبرني ماذا هناك ؟ ما الذي حدث ما الذي أصابك 
لم يرد بأكثر من عض إصبعه و هز رأسه بالنفي و ذرف المزيد من الدموع ...
ولكن يجب أن تخبرني حتى أستطيع مساعدتك و حل الإشكال و إنهاء هذا الحال 
وقف صامتا يحدق به وهو ينقل نظراته بين صفحات المجلات المتناثرة 
فأوما له ليجيب 
فقال… اخيراً 
إنها كارثة حلت به وأنه لم يعد يدري ما يفعله 
ما الذي حدث أخبرني 
أخيرا نهض من مكانه مرتعدا مرتبكا والدموع منه تسيل و أنفه معها يسيل و العبرات تخنقه و الوجه يكاد ينفجر حمرة  
رفع إحدى المجلات و أشار إلى الصورة فيها وقال…  انظر إلى هذا التصميم هل تراه 
قال نعم أراه 
كيف يمكنني أن أرتدي شيئا كهذا قل لي؟ أخبرني كيف لي؟
لا يناسبك ولا يليق بك بالتأكيد ولكن ما المشكلة هنا ؟
كيف لا مشكلة هي صرعة وتنتشر و لا أرتديها!؟ ولا أحصل عليها ولا يراني الجميع بها وتقول لا مشكلة؟
كيف لي أن أرتدي شيئا كهذا و كيف سمح المصمم لنفسه أن يفكر في شيء مثله و يطلقه على أنه صرعة جديدة و يروج لها الجميع ويعجبون بها و أنا من أتبع الصرعات أولا بأول و أفعل ما بوسعي لشراء كل جديد و إرتداءه كعارض للأزياء و أستمتع بذلك و الجميع يعرفني به …
إنهار وبكى و قال كيف يفعلون هذا بي … كيف … ماذا سأفعل الآن كيف أرتدي شيئا كهذا يظهرني بشكل مقرف غير لائق بي ، حتى و إن فكرت في تغيير حميتي لن يليق لن يعجب أحد … كيف … 
وضع يده على كتفه مربتا مهدئا وقال … 
لن يكون مقرفا أبدا فقط سيظهرك بمظهر الرجل …




شكراً… 
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 14 فبراير 2016

على سيرة الحب ...

By 10:50 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





صوت قرقعة … متكرر … جعله يتقلب … و ينظر إلى الساعة ليتأكد  من الوقت … إنقلب على جانبه الآخر … أخذه النوم لشدة التعب في عمق الحلم … 
صوت القرقعة تكرر … فتح عينيه وهو في مكانه … محاولا الإنصات … سيتكرر الصوت … ها هو … ولكن لا شيء تكرر ولا شيء عن أي شيء حوله صدر …

حاول العودة إلى النوم مجددا ولكن كان النوم عنه قد إبتعد … و لم يسعه أن يرجعه و يغمس عينيه فيه لتشبع به … و تستريح عظامه …

إنقلب على ظهره و إستقبل السقف … شديد البياض … صافي … بلا شوائب … تنهد … و أرخى أطرافه … وسكن …و تجمد هناك لحظات … لحظات لم تدم طويلا … فشقها صوت قرقعة متصل … 
إنتفض من مكانه كمن سكب عليه إناء ماء بارد … و أتى جالسا … في مكانه … و قال يا الله … ألهذه الدرجة أخذ مني الجوع مأخذه … ألهذا الحد نسيت أن آكل شيئا أقيم به صلب نفسي … بطني تقرقع في نومي … و لتني حملت بوليمة أو طبق شهي … 
- ولكنها نتيجة طبيعية لمن إلتهى عن نفسه …
إلتفت حوله يبحث عن مصدر الصوت ، و ظن أنه يهذي لشدة الجوع و الإنصراف عن الطعام … 
- لا تلتفت ، فمهما إلتفتت لن تراني … 
قفز من سريره وهو يمسك وسادته و وقف في منتصف الغرفة حاميا نفسه بالوسادة … ملتفتا يمنة و يسرة … يراقب كل زاوية من الغرفة … مد يده بسرعة ليزيح الستائر … و يدخل النور إلى الغرفة … لعل أحدهم مختبئ في مكان منها …
- لا تتعب نفسك … لن تراني ولن يؤثر في وجود النور من عدمه 
أنصت من الجهة التي يأتي منها الصوت … و قال … من أنت … أين أنت … أخرج ولا تخف … 
  • أخرج؟ هل أنت متأكد؟
  • نعم نعم أخرج أرني وجهك … من تكون …
  • حسنا … يبدو أنه علي أن أشرح لك من البداية ، هل لك بالجلوس و الهدوء؟ 
  • لا … لن أجلس حتى تخبرني من تكون و من أنت و كيف دخلت إلى هنا … وماذا تريد مني … 
  • لا أعرف إن كان هناك من هو مثلك مهملا لنفسه ناسيا لها لا يعيرها أي إهتمام … 
  • لا لست ناسيا ولست مهملا لشيء … هيا أخرج و كفاك فلسفة 
  • أنت ؟ تريد أن تقنعني أنك مهتم بنفسك و تعرف ماتريد و تفعل ما يصلح بها؟ … قل كلاما آخر …
  • أنا أعلم بنفسي منك … لن أزيد معك كلمة واحدة حتى ترني نفسك … و تواجهني … الآن حالا … كفى ممطالة 
  • لأنك تسألني هذه الأسئلة فأني أؤكد لك أنك لا تعلم عن نفسك شيئا ، و قد مضى زمن طويل جدا على آخر مرة تحدثت فيها مع نفسك أو صارحتها ، أو حتى إهتممت بها ليكون مصيرها …
أسكته في هذه اللحظة … وقال 
  • أصمت … لست في موقع يخولك أن تحاسبني على ما أفعل ولا أفعل … و أنا حر في نفسي 
  • الحقيقة أنت حر نعم … و لكن من حقي أن أقول ما أريد … 
  • لا يحق لك … 
  • حسنا كما تحب ، و على كل حال أنت لا تعيرني أي إهتمام ولا تهتم لي و لم يعد هناك بد من التدخل في حياتك بهذه الطريقة ، التي ما ودتت أن أضطر إليها حتى الآن …
  • الآن … الحوار بيننا إنتهى … و قد تعديت حدودك … 
أخذ يقلب الغرفة ، فتح أبواب الخزانة … نظر تحت السرير … أزاح الستائر … الكرسي … الملابس … لا وجود لأحد …

يبدو أنني تحت تأثير الجوع و قلة النوم و بدأت أهذي … يجب أن آكل شيئا دسما أملأ به بطني ، سأعد لنفسي الغذاء … أم تراهم تذكروني بشيء … 

خرج من غرفته … و ساعة المطبخ تشير إلى الثالثة بعد الظهر … ألقى نظرة على ما بالثلاجة … فوجد صحنا جاهزا … يحتاج فقط إلى تسخين خفيف و آخر لسلطة و صحن مقبلات و آخر للتحلية … أعد الجلسة و هيأها … و أخرج الصحن من الفرن و الأبخرة تتطاير لترسم قصة رحلة إلى عمق الطعم ستأخذه  … أعد كل شيء و رتبه … وضع الصحن الساخن وسط بقية الصحون لتكون وجبة و وليمة تشره لها الأنفس … جسل و نظر إلى ما جهز … إلتفت إلى خزانة المطبخ ونهض من مكانه و أخذ يبحث عن حفاضات التوابل و الباهارات … حتى وجدها … أخرج صحنا غائرا … و أخذ يسكب فيه من كل تلك البهارات و التوابل و يخلطها بعضها على بعض … و يهز الصحن أكثر لتمتزج الخلطة بعضها ببعض … أخذ الصحن و وضعه أمام كرسي مقابل حيث وضع كل صحونه و وليمته … و أخذ من الثلاجة علبة عصير … و جلس وأمسك بالملعقة ليباشر الأكل …
  • ويحك يا رجل ماذا تفعل ؟
أسقط الملعقة من يده و تراجع بالكرسي فزعا … فلم يتوقع أن يسمع الصوت مجددا …
  • ألم أقل لك أن لا تزعجني مرة أخرى ؟ 
  • لا لم تقل ذلك 
  • حسنا ها أنا أقولها الآن … أغرب عن وجهي حالا ولا تعد 
  • أغرب عن وجهك إلى أين … و أنا لست حتى أمام وجهك ، و لكن قلي … لما تفعل هذا ؟
  • نعم انت لست أمام و جهي ولكني أسمعك بوضوح و إن أمسكت بك سأعرف ما سأفعله بك …
  • فقط أخبرني لما تفعل ما تفعله ؟ ألست جائعا و الواجب أن تأكل الطعام؟
  • ما شأنك أنت ؟
  • هل يعقل أن تترك الطعام و تجلس لتأكل البهارات و التوابل؟
  • هذا ليس شأنك 
  • ولكن البهارات و التوابل وجدت لكي تجعل طعم الطعام ألذ و ليست لتؤكل … ستهلكنا يا رجل 
  • قلت لك ليس شأنك … إهتم لشئون نفسك أنت و دعني و شأني 
  • أنا مهتم بشؤون نفسي عندما أحدثك و أخبرك حالا أن تتوقف عن أكل البهارات و أن تأكل الطعام لأنه أساسا يحتوي على بعض البهارات التي تجعله يكون أجمل و ألذ و أكثر متعة و شبعته أنفع للبطن … 
  • هل تلقي محاضرة الآن أم أنك تغني؟
  • لا لست أغني ولست ألقي محاضرة … و لكنك أتبعتني و لم أجد تفسيرا لما تفعله 
  • و هل وجدت أنا تفسير لوجودك أنت ؟
  • أنا هو أنت ولست بأحد غريب عنك و ليس هناك شخص آخر معك في البيت و لن أغرب عن وجهك لأنني أنت ، و يبدو أنك لقلة ما تحدث نفسك وتحاسبها نسيت حتى صوتها و نسيت أن لك نفس و عليك الحديث إليها … و ها أنا أقلب الموازين لأحاسبك بدلا من أن تحاسبني … بعد أن إجتهدت لأتدرب على إسماعك صوت نفسك كما تسمعه الآن … فهل يعقل أن تهمل نفسك و تنجرف لشكليات حياتك و تترك الأساسيات ، ألا تعتبر ذلك من الحمق و الجهل أن تجلس إلى صحن من البهارات التي تضاف إلى الطعام لتعطيه طعمه و تجعله أكثر لذة و تزيد متعتك به … و تغرف بنهم تلك البهارات دون أن يكون هناك أي وجبة ؟ 

تجمد في مكانه على الكرسي … ونظر إلى الطعام الشهي المعد أمامه ... حتى تضببت صورة الصحون و أجزاء لشريط حياته … يتسارع في مخيلته … وهو يسمع نفسه تحدثه عن واقع فيه حتى آخره غرق … 

أتدري … رأيت الكثير ممن يفعل مثلك تماما في الحياة … يترك الطعام و ينكب على البهارات … يترك الحياة و ينكب على الحب … و ما الحب إلا بعض توابل تضاف للحياة حتى تكون الرحلة فيها أقل مشقة … 
رأيت من ينكب على الحب حتى صارت حياته كلها … مشقة … و هو يلهث و الحياة تهرب منه … والحب دائما له سارب في صحراء خالية يلاحقه 

عرفت الآن من أنا ؟ ... أنا أنت ...

وها هو صوت القرقعة يعود من جديد ...


شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...

الاثنين، 8 فبراير 2016

العين السحرية ...

By 11:15 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




إطار بني غامق من الخشب الطبيعي على الحائط معلق … تتوسطه صورة لإمرأة بريعان الشباب فرحة تبتسم للعدسة و عينها بالحياة تشع … في يدها خاتم يعكس لمعان و بريق يأخذ البصر … و يدها في يد شاب وسيم المطلع أنيق الثياب معلقة … وهو أكثر منها فرحا و سرور … الطبيعة و أصناف الزهور خلفهم تظهر… و الشمس عند ساعتها الذهبية تشع دفئا بين إطار الصورة الداخلي و الإطار الخشبي المعلق على الحائط الذي يقبع أمامه حذاء رياضي بقاعدة مطاط بيضاء و نسيج قماشي سميك أزرق و رباطه الأبيض المتدلي من جانبيه … و في الحذاء قدم رقيقة تنتهي بساق ترتدي بنطلون جينز أزرق مزقت أطرافه و تناثرت لتكون كريش نتف من جناحي فرخ حمام … يتدلى فوقه قميص قطني متسع بجيب منتفخ … و غطاء رأس على كتف متدلي … و خيوط ربطة الغطاء مستلقية على صدره … يعلوه وجه مستبشر ناعم بخدود كورد زهري متفتح تغطى … و عين عسلية فوق الخد فيها ينعكس إطار خشبي على الحائط معلق … 

تتأمله  تدقق في شخصياته … تنهدت و وقفت على أطراف قدمها … وضعت يدها في جيبها  هزت رأسها و ابتسمت … رفعت يدها … مررتها على الصورة … و إطارها الخشبي … أعادت يدها إلى جيبها … و إلى الكرسي بجسدها ألقت … 

إتكأت على يد و الآخرى على بطنها وضعت … أخذت تنظر إلى السقف و تحدث نفسها … بحياة تتمناها … و صحبة لنفسها ترجوها … أهداف تحققها و طموحات تريد أن تفوز بها يوما … 

إلتفتت برأسها لترى جهاز التحكم عن بعد بالتلفاز موجود عند متناول يدها على المنضدة الصغيرة أمام الأريكة التي عليها إستلقت … ففردت يدها و إلتقطته … و به إلى التلفاز أشارت و على زر التشغيل ضغطت … برنامج عن الطعام … زر التالي ضغطت … برنامج عن الحيوانات … برنامج عن الرياضة … أخبار العالم كله ملل … مسلسل لم ينتهي منذ كانت في الرابعة عشرة وربما ستتخرج من دراستها الثانوية هذا العام و لن ينتهي هذا المسلسل … ها هو برنامج ترغب في مشاهدته … برنامج المواهب … ألقت بجهاز التحكم عن بعد حيث كان … و أرجعت يدها على بطنها و تسمرت العين بإتجاه الشاشة … تلحقها إبتسامة ثم إمتعاض … ففرحة … فخوف … 

جرس الباب … جرس الباب … جرس الباب … 
أخيرا إنتبهت … أنقصت صوت التلفاز و أنصتت … لتسمع مجددا … جرس الباب … 
هرعت إلى الباب و من الفتحة السحرية نظرت … وركزت … من بالباب … 
وجه مستبشر مبتسم بلحية خفيفة و شفاه مبتسمة … و شعر أكرمه بدهان و ترتيب وإهتمام … تأخرت عن العين السحرية و نظرت حولها و لنفسها قالت … من يكون يا ترى ؟ 
أعادت النظر من العين السحرية من جديد … و رأته يمد يده إلى الجرس مجدداً وهو قريب منها يطلق ضجيجه … وضعت يدها على مقبض الباب … ولكنها تأخرت … وقالت من يكون … لا أعرفه كيف أفتح الباب لمن لا أعرف … تحركت … حول نفسها في الصالة … إتجهت إلى النافذة لترى من هناك لعلها ترى سيارته … فما وجدت شيء هناك واضح … جرس الباب … جرس الباب … رفعت هاتفها و أرادت الإتصال ولكنها ترددت … و بمن ستتصل؟ لا تعرف … 
وقفت مجددا أمام الباب و من العين السحرية نظرت … و هذه المرة قالت … من هناك ؟ … لم يصل الصوت فأعادت قولها … من هناك … من أنت … 
فسمع الشاب ذو الثوب الأسود و الإهتمام بالنفس واضح جدا في تفاصيله … وقال أنا صالح … جئت أطمئن عليك …
تراجعت عن العين وقالت في نفسها … يطمئن علي؟ من هو ومن أين يعرفني ليطمئن علي … فعادت عينها إلى الفتحة و قالت مجددا ولكن من أنت ؟
فقال 
  • لا تخشي شيئا … فقد جئت مهتما لأتأكد إن كنتي تحتاجي لشيء أو ينقصك شيء … 
  • شكرا لك لا أحتاج لشيء ، لا ينقصني شيء فكل شيء متوفر لدي ولا أعرفك من تكون حتى أفتح لك الباب … 
  • إذا رأيتني مباشرة ستعرفي من أكون … أنا جاركم أسكن في ذات الشارع و عرفت أنك و حيدة و فكرت إن كنتِ تحتاجي شيئا أستطيع أن أخدمك به فما دفعني إلى طرق الباب إلا الإهتمام … و ها أنا أقف بعيداً عن الباب …
تأخر بنفسه عن الباب و وقف متنحيا إلى جانب … فنظرت إليه … فبدا صورة كاملة لشاب جد أنيق … و كتف عريض و بنية تبدو رياضية و طول فارع و أناقة متكاملة … في نفسها تقول هل هذا واقعي الذي أنظر إليه … أم هو صورة من صور مواقع الموضة و المسلسلات … 
رجعت حيث الكرسي جلست عليه لحظات وضعت إصبعها على شفتيها … و من ثم عضت على ظفرها … و هي تسأل نفسها … من يكون يا ترى … إنه أنيق جدا و مهذب في كلامه ولا يبدو عليه السوء … وقفت … نظرت من فتحة الباب … عادت … سارت بين الكرسي و الباب مرورا بالممر … جاءت و ذهبت في الممر … وهي تفكر … و تحاول تذكر ما كان والداها دائما يوصيانها عن الغرباء … ولكنها فكرت أن هذا كان قديما عندما كنت صغيرة ولكنني الآن كبرت ولم أعد طفلة وأستطيع السيطرة على نفسي و إتخاذ القرارات … نظرت مرة أخرى … و حقا بدا الشاب وسيما … ففكرت في أن تفتح الباب ولكن تبقي على السلسال للحماية حتى تتأكد منه و مما تراه … 
وهكذا فعلت … و نظرت بعينها من إنفراج الباب المحمي بأمان سلسال صغير يثبته … بدت عينها العسلية من الباب و إنعكست تباشيرها على محياه وهو يقترب … حتى يكلمها … فردت الباب أكثر كادت تغلقه … وقف مكانه وقال 
  • لا لا تغلقي الباب أرجوك … فأنا هنا لأجلك … وأنا جاركم أسكن من بيتكم قريب 
  • ولكن كيف لم أرك من قبل؟ أم أنك جار جديد؟
  • بل جار منذ زمن بعيد وهذا لا يمنع أن أعرفك على نفسي و أرى إن كنتِ تحتاجي شيئا أو ينقصك شيء فالجار للجار
  • لا أعرف ، لا ينقصني شيء الآن و أشكر إهتمامك ولطفك ولكن من تكون 
  • أنا أسكن في ذات الحي … كنت أراك دائما وأنتِ في طريقك إلى المدرسة … وأكثر ما يعجبني في الفتاة هو أهتمامها و إنتباهها و حرصها على نفسها و عرفت أنك وحدك اليوم ففكرت في أنك قد تحتاجي شيئا … و تكون فرصة لكي أعرفك عن قرب و تتعرفي علي … 

فجأة أغلق الباب … فوقف الشاب حائرا … فيما حدث فجأة … و خلف الباب عين ترقبه … و قلبها يخفق بقوة … يخفق بشدة … كأن لا شيء حي في هذا الجسد إلا … دقات القلب المتسارعة بشدة تتخطف معها الأنفاس وتضاعف الإحساس… أخذت تروح و تجيئ أمام الباب … و تشعر بحرارة في وجهها لشدة تدفق الدماء إليه … قلبها يكاد يقفز مع القميص القطني الواسع … يدها ترتعش … إرتعدت عند سماع … جرس الباب … مجددا … قالت في نفسها يا الله … ما هذا الإصرار … و جرس الباب مجددا …
ماذا علي أن أفعل … ماذا أقول … شفتي ترتعش … يداي … لا تكاد قدمي تحملني … نظرت مجددا من العين … يا ربي … هذا شاب وسيم … لماذا يحدث لي ذلك … رأته مقتربا من جرس الباب و يرفع يده ليقرعه مجددا … وقبل أن تصل يده إليه
دق قلبها بسرعة و يدها دب فيها كهرباء حركتها فأزالت السلسال و فتحت الباب و وقفت وليس بينها وبينه شيء و أنفاسها تكاد تتقطع … فتفاجأة عندما رأها … وألحق المفاجأة بإبتسامة خفيفة أظهرت صفا مستويا من الأسنان … لمعت معه عينها … 
فقال …
  • مرحبا 
في خجل خفيف و تسارع أنفاس قالت 
  • مرحبا 
  • أنت بخير ؟
هزت رأسها بإبتسامة شفافة … و عين بالفرحة تفضح ما في داخلها يضج … تقدم منها فإعترضته … فبادرها بإستفسار من عينه … و إبتسامة … و أمال الرأس … فتنحت و له سمحت بالدخول … 

لحظات هدأ فيها كل شيء … توقف فيها كل شيء … سكن السكون و هدا الهدوء … 


ركنت سيارة رمادية بعجلات جديدة أمام البيت ومنها حذاء نسائي بني بكعب مرتفع ترتديه إمراة في منتصف العمر على الأرض وقف … وضعت المفتاح في الباب و أدارت لتفتح الباب وهي الحذاء عند المدخل على بساط خشن بني تمسح … تقدمت … وأغلقت الباب خلفها … وفي المدخل حقيبتها تركت والمفتاح في مكانه علقت … خلعت الحذاء و إلى صالة المنزل من الممر إتجهت … لتقابلها صدمة ما كانت يوما تتوقعها … تسارع في لحظة نبضها و إتسعت حدقة عينها … و عصف بذهنها ألف عاصف و هبت فيه رياح و رياح … اليد ترتعش و القدم بالكاد تحملها … إقتربت من إبنتها التي كانت على الأريكة ملقية بنفسها و الدماء تغطي قميصها… والنبض فارقها و أخذت تضع يدها على فجوة في صدرها مكان القلب تركت فراغا … و الفتاة تنظر إلى أمها تشير إلى إطار صورة على الحائط معلقة  … و تشير إلى الباب … الأم تلتفت و تقول … أين قلبك يا إبنتي … الدمع من العين في إنهمار … أين قلبك … ماذا فعلتي … أين قلبك … لما فتحتي الباب … 


شكراً…




أكمل قراءة الموضوع...

الخميس، 4 فبراير 2016

يوم إلتقاها ... فحقق الحلم ...

By 10:25 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





إعتاد عند خروجه من المدرسة … أن يتجنب العودة إلى البيت من أقصر الطرق … فيشق الطريق الأطول … الذي يمر به من وسط السوق … حباً في مشاهدة الباعة و المتسوقين ، و البضائع و عروض الحلوى و الشكلاتة … و يبطئ في مشيته عندما يقترب من بائع المكسرات ، وهو يرى يديه ببطء تتحرك و هو يمسك الملعقة المسطحة التي يستعملها لتحميص اللوز و المكسرات في الفرن الصغير الذي يضعه أمام مدخل دكانه … والأبخرة منه تتصاعد … و كلما إقترب … تراءت له حبات اللوز تتقافز على ذاك الصفيح الساخن و هن يتناثرن على بعضهن البعض … و كلما إرتفعت إحداهن سقطت الآخرى …  وكلما سقطت تلامست بحرارة الصفيحة الساخنة فزادها حمرة و تغلغلت القرمشة إلى تفاصيلها لتكون أكثر ضجيجا عند قضمها … رفع عينه لينظر إلى الرجل الذي لم يكن منتبها له ولا لمروره … ليستمر في مسيره وهو يسمع صوت الحبات يتقافزن و يتطايرن ويتمايزن … 

يتنقل بعينيه من زجاج عرض إلى آخر … ينظر يمينا و شمالا … يلاحق القطط التي أخذت من أمام الجزار مستقرا لها … يقطع الطريق الفرعي … يمر أمام البريد … وبجانبه الحلاق يعزف عزفته على رأس أحد زبائنه وهو لا يكف عن الكلام … نشاط في السوق و في كل المحلات … و بالأخص … في مطعم تقديم سريع الوجبات … فوقت الغذاء … و وقت الخروج من المدرسة … سوءا … 

نزل الدرجات القليلة المؤدية إلى الطريق الرئيسي حيث سيحتاج من يساعده على تخطي الطريق و عادة ينتظر حتى يقطعها جمع آخر من الناس … ينظر إلى إزدحام ذاك المطعم … و تقع عينه على  رجل جالس يكاد يحتضن رغيف خبز بشرائح اللحم المحمر مملوء … يغمض عينيه وهو يقربه إلى فمه مستمتعا باللحظة … يغوص في لذة الطعم و متعة إنتشاء تذوقه … و كأنه يغيب عن المكان ليكون في عالم آخر تلك اللحظة التي يمتلئ فيها فمه بمزيج شرائح اللحم و الخبز الطازج و قطع البطاطا و الطماطم و الخيار المخلل … و بعض الفلفل المهروس … إنه صورة حية لمعنى الإنتشاء بلذة الطعام … 

يشعر بقرع في بطنه لكثرة تركيزه على حال ذاك الرجل … و يمني نفسه بوجبة غذاء تسكت طبول بطنه تنتظره في البيت … يصل آخر الممر الضيق ليخرج إلى متسع الطريق و يقف على حافتها … ينظر يمينا … يسارا … يعيد النظر إلى اليمين و في منتصف إلتفاتته ينتبه … يلتفت مجددا نحو اليسار … يخطو خطوات … يركز أكثر … يقترب … يقف صامتا بلا حراك … يغيب عن الزحام الذي حوله … ليس بينه وبينها إلا زجاج العرض … كأن الجميع إختفوا … كأنه إنتقل إلى بعد مختلف … ليس فيه أحد إلا هو … و هي … هناك واقفة … غير مبالية بشيء … مدهشة … مغرية … شكلها أنيق … تفاصيلها دقيقة … خطوطها ساحرة… كلها … لها جمال آخاذ … يا إلهي … ما هذا … نسي كل شيء … نسي الجوع ولهفته للطعام توقفت طبولها  … نسي الحلوى … نسي البيت و العودة إليه …  و وقف مشدوها يشاهد و يركز في لمعانها … في المنتصف واقفة … تأملها … بشغف … و إعجاب … تأملها بهيام و إنسجام … نقلته إلى عالم كان يراه فقط من خلال الآخرين … لا يعرفه … لم يزره من قبل ، ولكنه رأى الكثيرين يزورونه و كيف كانت تعابيرهم تتبدل و يغيبون عن ما حولهم للحظات … و يعرف ذلك في أعينهم جيداً و في حركاتهم أيضا … و ها هو يعيش ذات اللحظة … ذات الإحساس … لا شيء يفصل بينه وبينها … و بين سحر جمالها إلا زجاج شفاف … معروضة في مكانها … على أربع دواليب شديدة السواد واقفة … إطار أبيض يحيط بكل دولاب من دواليبها … و لمعة فضية في المنتصف تعكس وجهه … ممتدة … عينيها دائرية … زجاجها شفاف … اللون الفضي يحزمها بشريط رقيق ناصع لامع … إمتداد زوايا إنارتها الخلفية و منظر زجاجها الأمامي … لا سقف يغطيها مكشوفة حمراء غامقة … بكراسي جلد بيضاء متناسقة في كل زواياها … أصابته في قلبه … هزت عقله … أعجب … أغرم … وهو الذي لم يعرف الحب من قبل … 

بقي في تلك اللحظة زمنا لم يذكر مداه ، ولكنه بضجيج الشارع و صوت منبه السيارات عاد إلى الواقع الذي كان فيه … وهو يعرف بينه وبين نفسه شيئا واحدا فقط … أنه يجب أن يحصل على هذه السيارة ، يجب أن تكون ملكه … 

تناول غذاءه على عجل … و ركض إلى حيث أخفى حصالته التي صنعها من علبة صفيح أحدث في آخرها فتحة صغيرة … و إن كان غلاف العلبة يسهل فتحه … ولكنها الطريقة الأمثل ليشعر أن ما يدخل إلى هذه العلبة لن يخرج منها … 
و لكن الآن لدينا هدف نريد تحقيقه ، لدينا ما نسعى له و نعمل لإجله … أخرج مافي العلبة من نقود و أخذ يعدها … و سجل الرقم في إحدى كراساته و قال سأرى … كم ينقصني حتى أحصل عليها … سأسأل على ثمنها غدا …

لأول مرة يمر اليوم الدراسي ببطء شديد … لم يتمالك نفسه في كل حصة إلا بجهد جهيد ، و هو يتخيل أن المعلمة بلون أحمر و حاجباها فضية اللون و عينها تصدر إنارة قوية … وصوتها كصوت محرك السيارة و لا يفيق إلا بصوت المنبه لتسأله المعلمة بقول … أين أنت … هل أنت معنا … إنتبه … 

ما أن سمع صوت جرس إنتهاء الحصص … حتى إنطلق مسرعا مخترقا السوق … غير مبال بالمحلات و المكسرات و القطط و العروض على جانبي الطريق … لم ينظر حتى لإزدحام المطعم و إستمتاع الجالسين بالطعام … لينتبه فقط أنه منتصب أمام زجاج خلفه تقبع حبيبته … ماتزال كما هي ببهجتها التي أثرت به البارحة … لم تتغير … ولم ينقص من تأثيرها عليه شيء … وقف مطولا يتأملها … و يتعمق في تفاصيلها … حتى سمع رنة فتح الباب الزجاجي و أحد الزبائن يخرج … فأمسك الباب قبل إغلاقه … و دخل متسللا … يلتفت حوله مراقبا … إتجه نحو البائع … وسأله مشيرا بإصبعه إلى تلك السيارة … بكم هذه؟ …

إنحنى البائع ذو الشعر الأبيض الخفيف … مبتسما … وقال هذه السيارة بستمائة … فقط … شكره و خرج واقفا أمام الزجاج ليشاهدها أكثر … و يتمعن فيها أكثر و يزيد إصراره على أن يقتنيها … و تكون ملكه … 

جلس يعد ما لديه في حصالته من جديد ، و لم يهتم كثيرا للرقم الذي كتبه سابقا … فوجد أنه يحتاج الكثير جدا ليمتلك ثمنها … فأخذ يفكر في وسيلة يحصل بها على ما يكفي من مال … فتخاطرت الأفكار عليه و قام من مكانه مسرعا نحو والدته … ليعقد معها إتفاق أن يكون هو من يقوم بشراء إحتياجات المنزل من بقالة على أن يأخذ كل ما يتبقى معه من مال المشتريات لنفسه … فسألته لما تريد ذلك … لم يرغب في إخبارها بشيء حتى وافقت على طلبه  … وكذا عقد إتفاقه مع والده … الذي كان مصدر المال لمشتريات البيت من بقالة … 

وهكذا أخذ على عاتقه هذا العمل … فكان ينتظر بفارغ الصبر متى يطلب شيء و ينقص آخر و يسأل يوميا … هل ينقصكم شيء ؟ هل تحتاجين شيء يا أمي … و إعتاد أن يكتب كل طلباتهم حتى لا ينسى شيئا … 

بعد مرور ثلاثة أشهر و زيادة  … مرت كلها في شوق و إنتظار و عمل وإجتهاد أدى به إلى التعرف على أغلب باعة تلك المحال و الدكاكين ، و صار الكل يعرفه … وهو لا ينسى المرور على سيارته كل يوم يتأملها و يتأكد من تواجدها و عدم بيعها …

أتى اليوم الذي إنتظره كثيرا … دخل إلى البائع و قال له و الثقة تملأه … أريد شراء هذه السيارة … تفحصه البائع و دقق فيه و في ملامحه الجدية … و قال له مازحا … ولكنك مازلت صغيرا … كيف تشتري سيارة ؟ 

فعلت وجه الصغير حمرة غضب وهو يمد يده بثمن السيارة كاملا… فتداركه الرجل وهو يستلم المال من يديه و قال حسنا حسنا … تفضل … من هنا … تبعه إلى حيث السيارة و قال له … تفضل …

وقف لحظات … إلتغى فيها كل شيء فيما بينه و بينها … وها قد أصبحت له … ملكه … سيجتمع بها … لن يبتعد أحدهما عن الآخر … تعبت كثيرا حتى وصلت إلى هذه اللحظة … حتى إمتلكت الحق في أن تكوني لي … أخرجها من العلبة … و قبض عليها بيده قبضة قوية … و وضعها في جيبه و إلى البيت فرحا بإنجازه وما بذل لأجله من جهد وما حقق إنصرف … 



شكراً…
أكمل قراءة الموضوع...