تجلس في غرفة المعيشة
التلفاز باهتمام تشاهد وبه تتسلى لا يمر في ذهنها شيء أكثر من تعاطفها مع الحلقة
المائة والستين من مسلسلها الذي اسر عقلها وانساها ابنها وزوجته التي تسمع صوتها
في المطبخ تجهز الطعام وتهيئ الجلسة وتقوم على شأن البيت والود من جانبها يغمرهما والفرحة في
قلب الأم بزواج ابنها وحصوله على زوجة بنفس طيب في الطعام وروح مرحة وتلك هي
الحياة الهادئة التي يرجوها الجميع…
يشتد الموقف حدة في
مسلسلها فتتهيأ الأم للصدمة متوقعة الأسواء من زوجة أب البطلة التي تكاد تفقد
الوعي وهي تشعر انها مظلومة وعلى يقين أن زوجة الأب تكيد لها والأم شاهدة على ذلك
وما ان امسكت البطلة بمقبض الباب ليخطف بصر الأم دخول زوجة ابنها عليها وما كادت تطأ قدمها
الغرفة حتى انتفضت وهمت بالخروج راكضة من الغرفة لتنسى الأم المسلسل وتنتبه لما
فعلته زوجة ابنها وتتساءل ما الذي رأته حتى تخرج بهذا الشكل دون أن تقول كلمة واحدة
ولا تستأذن. أفزعتها؟ أم انها احست اني اهملتها؟ ولكنني مندمجة في المشاهدة ماذا
تنتظر مني ان ارحب بها؟ ياله من تصرف سمج وقلة ذوق منها… بنات آخر زمن تقول الأم
في نفسها ممتعظة… يجب ان تتعلم الأدب فأنا عجوز مسالمة جالسة في حال سبيلي إن لم يعجبها
الجلوس معي لما حضرت منذ البداية!؟
واثناء خوض الأم في بحر
ظنونها وتكهناتها وفرد اشرعتها غربا وشرقا في تفسير ماحدث…
تدخل الزوجة مسرعة الى
المطبخ وترفع القدر عن الموقد فقد كاد يحترق وقد سهت عنه وتذكرته في آخر لحظة وقد
فرحت انها أنقذت الغذاء فلم يتبقى وقت على عودة الزوج من عمله…
وضعت القدر وأخذت تجهز
السفرة وتقطع قطع السلطة وفي ذهنها تقول الحمد لله لم يضع الجهد سدا ولم يحترق
الطعام، تقول أمي دائما عن سهواتي انني ذات يوم ساحرق البيت او يرجعني زوجي لبيتنا
لاتدرب على تحمل مسؤولية البيت والوقوف على شؤونه ولكن ستر الله اليوم وسيكون لي
درسا ولن اكرره وما ان وضعت صحن السلطة في مكانه حتى دخل الزوج ملقيا السلام
مبتهجا بيوم عمل مثمر لتستقبله زوجته عند الباب فرحة لفرحه واضعة حقيبته جانبا
مرحبة تقول: حضرت لك اكلتك التي تحب انت وأمي تعشقانها واياك ان تشتكي قلة الملح
فقد قللت مقداره لاجل امي تعرف ذلك…
ابتسم وهو يدخل على امه
محييا لتستقبله ببرود غير معهود ليداعبها ممازحا مازلتي تشاهدي هذا المسلسل؟ تزوجت البطلة؟ ويدخل لتغيير ملابسه…
لترمي الام زوجة ابنها بنظرات احتقار واستغراب وكأنها تقول ما الذي فعلنا لك حتى تتصرفي بهذه الفظاظة وقلة الذوق والادب. يا حسرة على ولدي الذي وقع هذه الوقعة لفتاة لا تحترم امه ولا تقدرها… وبذلك ترسل ومضات سلبية لزوجة ابنها... التي تخرج لاحقة زوجها مستغربة من تصرف حماتها والبحث في ذهنها متسارع لمعرفة ما الذي قد تكون فعلت حتى تستحق هذا التصرف ولا تجد الا ان حماتها لا تحبها ولا تقدر ماتفعله وتقلل من شأنها وشأن اسرتها وكل ماتفعله مع ابنها…
وكل منهما في ذهنه ان الآخر
هو من بدا ببعض الظن والبناء عليه واعلاء بنيانه وجعله حاجزا بينهم وبين العقل دون
محاولة التواصل والتحاور لتوضيح ماحدث ووجهات النظر بينهما ليعود السلام بينهما…
ليكون سوء الفهم
والتقدير وقلة الحوار والتواصل شرارة الحياة البائسة التي سيعيشها الجميع وعلى
رأسهم الزوج الذي لا يرى أي من الأسوار التي بنتها كل منهن في ذهنها ولن تستطيع اقناع ايا منهما أنه لا وجود لتلك الأسوار ولا أسباب اقامتها.
شكرا