بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

السبت، 30 أبريل 2016

اللقاء ...

By 10:24 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



طرابلس … هدوء الثلث الآخير من الليل إحتل وسط المدينة …  هدأت الساحة ذات الأرضية الخضراء و الأضواء بها تحيط تحيل ليلها نهار … إنقطعت أصوات العربات و محركاتها ، سكنت الأنفاس في بيوتها ، حط الطير في عشه … نامت العيون الساهرة في عرباتها … سكن الهدوء أيضا  … 
في تلك الليلة الصيفية الدافئة …  كان سراب تبخر الحرارة يبدو كثيفا من الأرض منطلق …  عم الصمت و ركدت الريح وكل من يتنفس …
هدوء تام … 

عين في تغطيها الظلال خلف إحدى النخلات عند الإستراحة من جهة الفندق الكبير شمال شرق الميدان كانت تراقب … وتتفحص … لتأكيد أن لا أحد يراها … نظرت إلى الأعلى على يمينها وهي تنظر جهة مدخل السراي الحمراء … عقدت السبابة والإبهام وبهما شدت لسانها ونفخت فيه لتصدر صوت صافرة خفيفة بالكاد سمع صداها …
إلتفتت إلى اليسار أقصى الساحة عند النافورة المائية و أطلقت صافرة أخرى … إخترقت ذبذباتها أبخرة حرارة الساحة لتصل أصحابها … 
تراجعت العين خجلة متبعة الظلال ودخلت خلف الشجيرات الكثيفة بين الشوارع … وضعت يدها حول رقبة حيوان آلف كل منهما الآخر و إحتظنته … وإلى جانبه جلست تنظر إليه بهدوء يقف… وأخذت تنتظر … 

عند السراي … صوت وقع سوط يضرب الهواء و صهيل فرس يضرب بحوافره أرضية رخامية يأتي من علو … تهب معه رياح تثير بعض غمامة ترتفع مع المسلة المقابلة لمدخل السراي الحمراء وتختفي … و ينطلق ظل نحو الشجيرات حيث أتي الصوت …

تشقق في الصخر و تصدع يعقبه صهيل فرس و خفقان أجنحة و حمحمة … تحركت معها النافورة و إهتزت ليتناثر بعض الماء على أرضية الميدان و يعقبه أثر إتجاه ظل صاحبه نحو الصوت عند الظلال بين الشجيرات … 

دخل الفارس بفرسه بين الشجيرات ليجد فتاة جالسة بجانب حيوانها وهي تحتضنه … لم يكن يرى بوضوح ولكنه عندما تقدم أكثر … قال بدهشة …
- غزالة؟ أنت بخير؟ ماذا تفعلين هنا؟
لتأتيه إبتسامة و ضحكة ناعمة تقول 
- أنا لست غزالة … أنا الحسناء … و هذه غزالة أم أنك كبقية الناس تختصر إسمي في الغزالة 
قال الفارس في خجل حياء مليء بالمروءة … 
- أنتِ تعرفي أنه لولا ستر الظلام لك لما إستطعت النظر إليك مباشرة وما ساعدني على معرفتك هي الغزالة 
- لا عليك ، و صدقني ليس بيدي أن أرتدي شيئا أو لا ، فلم يصنعني والدي إلا على هذه الهيئة … 

إنتبه الإثنان لخشخة الشجيرات من خلفهم … لتنحسر على فرس البحر الطائر يقترب منهم يضبح ويصهل ويخفق جناحيه … فرحا 
- لا أصدق غزالة و الحسناء … 
إلتفتت غزالة إلى الفارس وقالت 
- أرأيت هذا هو إسمي … الكل يعرفني بالحسناء وليس غزالة
فرد الفارس مباشرة 
- ربما لأنكما أقدم مني في المدينة و يعرف بعضكم بعضا أكثر مني … ولكن الكل يناديك غزالة هنا
فقال الفرس … 
- أين كنتِ ولما لم تطمئنينا عنك ظننا أنك أختطفتي؟ إنشغلنا عليك لم نرك منذ مدة … 

طأطأت الحسناء رأسها في أسف و حزن وهي تحرك يدها على الغزالة و تربت على رقبتها وقالت … 

- لولا تعلقي بهذه الأرض وحبي لها و قضائي فيها أكثر من سبعين سنة لرجعت مع البارجة البريطانية التي أجلت رعاياها عند إندلاع حرب المطار و طلبت منهم أن ينزلوني في إيطاليا حيث دفن أبي هناك … ولكني فضلت الإختباء و التواري عن الأنظار حتى أرتاح وأهدأ وأبتعد عن كل هذه الفوضى  
- وما الذي أتى بك إلى هنا الآن ، ألا تخشين أن يراك أحد؟ قال الفرس 

- لست أخشى أحدا فليس بقمدور أحد أن يعرف أين أنا أو أن يراني ، فمعرفتي بالناس هنا قديمة وأعرف طباعهم جيدا 
- كل ما في الأمر أننا نريدك أن تكوني بخير … أردف الفارس 
أعاد الفرس سؤاله … 
ولكن مازلت أريد معرفة ما الذي أخرجك من مخبأك؟ 
- أردت الحديث معكم لمعرفة ما رأيكم فيما يمكننا فعله لإصلاح ما أفسده هؤلاء القوم!
قال الفارس وهو يشد لجام حصانه الذي أخذ يضرب الأرض بحافره 
- لا فائدة لا تتعبي نفسك لن تستطيعي فعل شيء ، ما لم يكن هناك من يستمع 
- إلا إذا فزت في أحد المباريات يا فارس ، عندها ستمتلئ الساحة و تضج بالفرحة … قال فرس البحر 
هز فارس رأسه متأسفا … 
- لا تذكرني ، ليتني أملك القدرة على ترك مكاني و الهرب ، فرؤية تلك الجموع كلما أقبل إحتفال وتفرقها كلما إحتاج العمل … بات يزعجني حقا
- ربما تستطيع الهرب ولكنك تفضل ما إعتدت عليه … قالت غزالة 
- وكيف أقنعتي الغزال أن يتبعك وسيطرتي عليه ولا يفتضح أمرك؟
- الغزال جزء مني ولا ننفصل عن بعضنا أبدا 
- حسنا ما العمل الآن ، قال فرس البحر خافقا بجناحيه  
- ما رأي إخوتك ؟
- رأيهم من رأيي فنحن الأربعة نفكر معا نعيش معا نفعل كل شيء كأننا واحد ، وهم الآن يسمعونك بسمعي و يرونك برؤيتي وما أقول هو ما يقولون … 
إلتفت إليه الفارس رافعا سوطه ملوحا به … 
- ليتنا نستطيع جعل أهل البلد يتصرفون مثلكم يا فرس البحر ، أن يجتمعوا على ما يصلح بهم …
- لا تأثير لنا عليهم ومهما فعلنا فإننا لن نستطيع إقناعهم حتى للكف عن الإجتماع هنا في الساحة كلما أرادوا الإحتجاج أو الفرح و الرقص و الغناء و صم آذاننا بالمفرقعات و الهتافات المتعالية وضرب المنصات و التوعد …
- أنا شبعت من الوعود وأردت العمل وليتني أستطيع لكنت فعلت … ولكنهم لم يشبعوا ولم يعملوا…
وقفت غزالة وإقتربت منهم ، ليخفي الفارس وجهه مستحيا … قال 
- غزالة إبقي حيث أنت أرجوك … 
ضحك فرس النهر وهو يخفق بجناحيه و يهز ذيله يضرب به الأرض ، و تراجعت غزالة لتعود إلى الظل لإخفاء جسدها العاري في الظلمة حيث كان  … 
- إسمها حسناء وليست غزالة ، ما بك يا فارس … 
قالها فرس البحر مقتربا من الفارس غامزا فرسه الذي أخفى وجهه إستحياء
- لن تفهم أنت معنى الحشمة والحياء لأنك حصان ، ولو لم تكن حصان لفهمت 
- هذا ما تظنه أنت فقط … 
قاطعتهم حسناء بصوت خافت حزين متألم … 
- أشعر بالحزن لما حدث ويحدث ، لم أكن أتوقع أن كل أولائك الذين رأيتهم يحومون حولي في أفراحهم و مسراتهم وبهجتهم يملأون السيارات والمدينة بهجة ، يمكن أن ينسوا أنفسهم و تغريهم الدنيا ويتكاسلوا عن العمل و حب بعضهم البعض و تجرهم أطماعهم ويستسهلوا قتل النفس …
- لا عليك يا غزالة ، لا عليك فهذا ليس بالأمر الجديد على بني البشر قال فرس البحر 
- ولكننا أهل جود و كرم و نقف مع الحق و ننصر المظلوم و نوقف الظالم عند حده ولا نرضى المهانة ولا نرضى الذل … 
- هذا ما أنت عليه يا فارس … أصيل إبن أصيل 
- أتعرف يا فارس ، أتعرف يا فرس! 
إلتفت الإثنان إليها في صمت فقالت 
- ليت سبتيموس كان معنا …
- صحيح لو كان هنا لأعطانا رأيا سديدا فهو خبير في مسائل الحكم و الحرب … قال فرس البحر
فتحرك فارس بفرسه و توسطهما وهو يحاول أن لا يقع نظره على غزالة … 
- ولكن الواقع أن ما يحدث لا يحتاج إلى أكثر من بعض العقل و الشعور بالمسئولية تجاه النفس والبيئة التي تحتويك ، يحتاج إلى مروءة رجال والكف عن السفاهة و لجم الطمع وتوحيد الهدف وتأجيل الخلاف … 
- هذا الكلام لا يفهمه البشر يا فارس 
- بل يفهمونه و يعونه جيدا ، ولكن أعماهم الطمع و جرتهم العاطفة 
- لهذا قلت لك أنهم لن يفهموه ، وليتهم فقط يجتمعوا كما إجتمعنا نحن الجماد ... 

رضي فارس بما قاله فرس البحر على مضض و أراد أن يكمل كلامه لولا أن سمع صوت محرك سيارة يقترب من أقصى شارع البلدية … مما دعاهم جميعا للإنطلاق إلى أماكنهم والإشارات بينهم تؤكد على أن يحافظ كل منهم على سلامة نفسه … 
عاد كل منهم إلى مكانه … و عادت غزالة للإختفاء … و كل منهم كان يحمل في قلبه رجاء أن تصل أمانيهم لأهل هذا البلد بأن يتذكروا أنها أوسع من أن تضيق بهم جميعا وأن ما فيها من خير لا يمكن أن يثمر إلا بإجتماع كلمتهم و تمسكهم بما بينهم من قواسم مشتركة … أشياء يحتاجها الجميع و يصر عليها … وبالإمكان تحقيقها واقعا ليس فقط حلم … 

شكراً…


أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 26 أبريل 2016

هدية العرس ...

By 10:53 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


رزق بكرم واسع كما رزق بوفرة المال  … 
صارت إبنته صبية وتهافت عليها الخطاب حتى تحدد لعقد القران موعد و كذا الزفاف … 

وها قد أتى من يقترح تفاصيل مراسم عرس حافل لم ترى البلد له مثيلا  ... 

عرضت الإختيارات بتنوعها … من ألوان و أنواع خط و أقمشة و زينة و أغلفة و مغلفات و شتى أنواع الحلوى و المكسرات … و البطاقات … والصالات والمراسم و نظم المقاطع المصورة لعرضها في ليلة الفرح 

فما كان منه إلا أن طلب من منظم الحفلات أن يزوده بتفصيل دقيق لكل ما سيكون في الحفل و تكلفته كاملة دون تفصيل ... فلا يهمه المال كثيراً بما لديه من خير بفضل الله وفير  ...

تفاصيل مدهشة جدا تلك التي نسقها منظم الحفلات… فبدا وكأنه يخبره بشيء من خيال ألف ليلة و ليلة ... وكل شيء تم الإهتمام به ... حتى مصمم لباس العرس تم ذكره ...

كم يحتاج هذا التجهيز من وقت حتى يكتمل ؟ قال مخاطبا مصمم الحفلات 
ثلاثة أشهر و يكون كل شي على أتم الإستعداد و التجهيز … رد المصمم قائلا والإبتسامة تملأ وجهه مستبشرا

أخذ تقريرا كاملا بالتكاليف و قيمتها … وعرف التفاصيل ودقتها … وقال

حسنا سأعلمك بردي عن هذا العرض ...

أخذ يحسب حساباته ويهيء نفسه... و يجهز هدية إبنته ... و زوجها ... وكان يفكر في شيء مميز لم يسبق لأحد أن فكر فيه أو فعله ... شيء مميز جدا … يكون له تأثيره … يكون له وقعه الحقيقي … 

أخبر إبنته التي بذل جهدا لتربيتها خير تربية … وحرص على أن يزرع فيها الخلق و الحياء والعفة أن كل شيء سيكون جاهزا في الموعد ولا تفكري في شيء ... أريدك أن تكوني مميزة دونا عن الجميع ... لن تكوني مثل غيرك... ستكوني مميزة جدا … 
قالت في خجل المحبة لأبيها الحانية عليه …
أعرف يا أبي كلي بك ثقة و أعرف جيدا أنني بين يدي أمين ولن أخف أبدا ... و إفعل ما ترى ...

أخبرها يوما أن سيأتي من يأخذ مقاساتها مِن أجل فستان الفرح … فقد بات موعد عقد القران وشيكا … ولابد أن يجهز كل شيء …
ها هو يوم الزفاف … حل 
إختار و هيأ كل شيء بنفسه … فكان حفلا رائعا مميزا بسيطا خفيفا … وزعت فيه الحلوى و العصير وخلا من كل مظاهر البهرجة والإسراف و التبذير ، بل كان كل شيء بحسن التقدير … أبسط ما يكون جمالا… 

و كانت هديتها ... فرحة وبهجة أدخلت لقلوب كثيرة ، بتكوين أسر جديدة و زفافهم في ذات الليلة ...
فقد إختار أن يتم تزويج خمسة أزواج آخرين بتكلفة عرسها الذي ألغي كل ما إقترحه مصمم الحفلات الشهير و أقيم حفل خفيف لم يتكلف فيه أحد شيئا وزعت فيه العصائر وبعض الحلوى ، فرح الجميع و إبتهجت العروس و وجدت وقتا لتشارك الفرحة مع صديقاتها المقربات الحبيبات … و تحدثهن بفرح وهي ترتدي فستانها المميز ببساطته جمالا وأناقة … و وجد العريس وقتا بإرتياح ليتشارك الفرحة مع من يحبهم و يحبوه … في بساطة وإرتياح دون تكليف …

لتسعد العروس بمشاركة الفرح قلوب أخرى … وكانت بحق … هدية عرس مميزة … 



شكراً… 
أكمل قراءة الموضوع...

الأحد، 24 أبريل 2016

كتاب اجتماعياتي للتنزيل بصيغة PDF

By 10:54 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




بفضل من الله و توفيقه تحول  " اجتماعياتي " الكتاب إلى نسخة إلكتروني و صار متوفرا للتحميل بحجمين مختلفين ، كل منهما  نسخة عن الآخر غير أن الإختلاف في الجودة فقط بعد تحويله من كتاب ورقي إلى كتاب إلكتروني بصيغة بي دي اف PDF ، و التفاوت في الجودة بسبب آلية الضغط و التحويل 
بإمكانك تنزيل أي من النسخ من الروابط التالية ( إضغط على الرابط مباشرة وسيتم تنزيله أو فتحه في صفحة جديدة منها تستطيع إختيار التنزيل ) 




شاكرا إهتمامك ... أرجوا أن تضاء شاشتك بتصفحه والإطلاع عليه و أن يكون مؤنسا لك صاحبا خفيف الظل 


شكراً... 





أكمل قراءة الموضوع...

الخميس، 21 أبريل 2016

جرس الباب ...

By 9:58 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 





تحركت ستائر الشرفة في الطابق العلوي دون سبب واضح لتحركها … ولكن من الجانب الآخر ظلا كان يعكس عينا تتفحص حولها و تنظر لشرف البيت المقابل بحثا عن من يراقبها … ولكن لم يكن يظهر أنه هناك من يراقب … 
لعلهم يجيدون الإختباء ولكنني متيقن أن هناك من يراقبني بإستمرار و يرصد كل تحركاتي … 

أخرج سيارته من جراجه وأغلق الباب بضغطة زر من مداليته … إنصرف بسيارته وهو يشعر أن هناك من يراقب حركته …
جلس حيث يحصل على قهوته و يقضي بعض الوقت مع صحبة إتخذت من هذا المقهى الحديث ملتقى لها … وهو ذاك الإحساس بأن هناك من يراقبه و يترصده ملازم له وإن تظاهر بعدم الإهتمام و زاد في الإنسجام بالحديث وما يحتسي من قهوة … 
عاد عند هبوط الظلام إلى منزله ولكنه قبل أن يدخل السيارة إلى جراجه مرة عبر الشارع مرورا كأنه شخص غريب … و عينه تراقب الشرفات و تنتظر الأضواء لتفضح أي من الشرفات في البيت المقابل يترقب ساعة حضوره وينظر ما أحضر معه … 
عاد وأدخل السيارة مباشرة إلى جراجه بعد أن فتح بشكل آلي … 
أحكم إغلاق سيارته و سار في الحديقة مترنما بلحن إنسجام وعينه تتراقص يمينا و شمالا تتربص من يتربص به وإن تظاهر هو باللامبالاة وأن تصرفاته طبيعية … 

إرتاح في بيته وإسترخى وأخذ يشاهد التلفاز ويرفع صوته وهو يشاهد برنامجا كوميديا ، وفي ذهنه أنه يُسمع من يراقبه وينصت إلى ما يشاهده من الجيران وهو يحدث نفسه أنهم يسمعون وليعرفوا أنه يقضي وقتا ممتعا وأنه سعيد … 

أخفض صوت التلفاز عندما سمع صوت قرع جرس الباب … وأنصت ليتأكد من صدور صوت الجرس… إقترب منه ونظر من العين السحرية التي لم تره أكثر من باب الحديقة المقابل لباب بيته … من يكون يا ترى … صعد إلى غرفته ليرتدي ما يليق بوقوفه أمام البيت وإستقبال هذا الزائر المتأخر في الوقت ، هل تراه أحد الجيران إنزعج من علو الصوت ؟ أم هو فقط أتى إلى هنا بغثة حتى يراني كيف أبدو وأنا في بيتي ؟

أسرع إلى الباب بعد أن تمهل في تغيير ملابسه … فتحه راسما إبتسامة على شفتيه … ولكن لم يكن هناك أحد في إستقبال إبتسامته … 
إلتفت في كل إتجاه دقق النظر … تظاهر بعدم الإهتمام لمن يراقبه من البيت المقابل … أو ظن أنه يراقبه … و لكنه تظاهر بعدم الإهتمام وأغلق الباب و عاد لتغيير ملابسه من جديد … 

لكنه ما أن جلس بعد إرتداء ملابس البيت ليكمل مشاهدة برنامجه ، حتى سمع قرع جرس الباب من جديد … فتأفف غاضبا ونهض مسرعا للباب ولكنه أراد أن يرتدي ملابس تليق بفتحه فعاد إلى غرفته و لم يتمهل هذه المرة حتى يلحق من على الباب يطرق … 
عندما فتح الباب راسما ذات الإبتسامة على وجهه … لم يجد أحدا عند الباب … شعر بالغيض و الغضب ، وأحس أن جاره صاحب البيت المقابل هو الذي يفعل به ذلك ، وأنه فقط يريد أن يزعجه لأنه يحسده على كل شيء ، كل شيء هو فيه يحسده عليه ولم يكن ذلك خافيا عليه لأنه يعرف أنهم يراقبونه كلما خرج و دخل كالكميرات تصور مسلسلا تلفزيونيا لحياة أحد المشاهير … 

ولكنه مع غيظه وتأفف و تعصبه إلا أنه تمالك نفسه و لجمها الهدوء و الإبتسامة حتى لا يظهر لمن يراقبه أيا كان أنه حقق مراده أو أغضبه … إبتسم وهو يغلق الباب … و إستمر على ذلك حتى دخل بيته وكاد يصيح صيحة مدوية لولا أنه خشي أن تسمع فكتم صوتها ولكنه أطلقها بداخله … 
وهذه المرة قرر أن يبقي ملابسه دون إستبدالها بملابس البيت و جلس متأهبا لفتح الباب … 
إنسجم في المشاهدة و نسي أمر الجرس حتى آخذه النعاس وقد تأخر الوقت … 
فإستفاق على ضجيج قرع الجرس من جديد فهب واقفا وهو في حالة ذهول و إستغراب ما الذي يجري … ركض نحو الباب هندم نفسه قبل أن يفتحه و إنطلق … نظر في كل إتجاه ولم يكن هناك من أحد … 
بالكاد تمالك نفسه وكضم غيظه وعاد أدراجه إلى الداخل … 
هل أبقي الباب مفتوحا؟ 
أأطرق على جاري في هذه الساعة من الليل أم أشكوه للشرطة … 
غدا صباحا يجب أن أتصرف بلا شك … سأتصرف …


أعياه التعب فألقى بجسده على فراشه بما يرتديه من ملابس ولم يملك الرغبة لتغييرها بملابس النوم … ونام حتى الصباح … 

أفاق صباحا على صوت قرع جرس الباب مجددا … فتكاسل في الحركة ولكنه تذكر ما حدث معه البارحة … فنهض مسرعا نحو الباب ، نظر إلى وجهه في المرآة ، لم يكن أبدا وجه إستقبال و كيف سيبدو أمام الناس … دخل بسرعة إلى دورة المياه بلل وجهه و جففه … ضرب على خده بضربات تنشيط و أسرع نحو الباب … 
لا أحد عند الباب … لا أحد … كاد صبره ينفذ … فقرر أن يطرق باب جاره المقابل الذي تؤكد له شكوكه بأنه هو من يفعل ذلك وهو من يراقبه دائما و يترصد كل حركاته … نوافذه تشهد على ذلك و ستائرها أيضا … 
وقف أمام باب جاره ضاغطا على زر الجرس … و تأخر قليلا في وقفته وإنتظر 
لم يأتيه رد … فأعاد الكرة بشكل مطول هذه المرة …
وإنتظر فترة أقل … فأعاد الكرة مرة ومرة ، ولكن لا أحد يجيب …
أخذ يطرق على الباب … طرقا خفيفا و يعيد ضغط زر الجرس … 
حتى سمع صوتا يناديه من خلفه … 
لا أحد في هذا البيت لا تتعب نفسك 
ما أدراك أن لا أحد في البيت هناك من يسكنه 
لا أحد يسكنه هو بيت عمي و قد هاجر و زوجته وإبنه الوحيد إلى أستراليا منذ عامين ومنذ ذاك الوقت البيت فارغ لا يسكنه أحد …
ولكن … 
بإمكانك أن تضيع نهارك كله في الطرق على الباب ولكن لن يفتح لك أحد …
كيف ذلك … ومن الذي يراقبني من الشرفات إذا ومن يطرق جرس الباب إذا؟ رددها في نفسه وهو يشكك فيما قيل له !

إلتفت عائدا إلى بيته وما أن وصل إلى الباب حتى سمع صوت جرس بابه يقرع … فأنصت متأكدا وتأكد أن جرسه هو الذي يصدر الصوت … فتأخر و نظر حوله إلأى طرفي الشارع الفارغ تماما … إلا منه هو فإقترب ودقق في زر الجرس … 
إقترب أكثر ركز … ليجد أن الزر عالق تتلامس خيوطه كل حين … وأن ذاك هو سبب إنطلاق صوت الجرس … ضرب الجرس بيده حتى تحرر زره نظر يمينا و يسارا و إلتفت إلى البيت المقابل وهو يغلق الباب …
أخذته هستيريا ضحك أسقطته جالسا على درج بابه الداخلي وأخذ يضحك على نفسه وما كان يعيشه من وهم وجود من يراقبه وكيف كان يتصرف بناء على وجود هذا المراقب … كم كان أحمقا ليعيش حياته متظاهرا من أجل الآخرين الذين لا يعيرونه إهتماما ولا يكترثون … حتى أنهم ليس لهم وجود إلا في ذهنه هو … 



شكراً
أكمل قراءة الموضوع...

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

الصرعة ...

By 10:38 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




دفع الباب و دخل الغرفة مسرعا بعد أن فقد الأمل في الحصول على رد لكل مكالماته التي إعتاد أن يكون الرد عليها قبل أن تكتمل النغمة الأولى و يسمع صوته … ولكنه هذه المرة لم يعد يذكر عدد المحاولات التي إنقضت ولم يأتي الرد ، فخشي أن يكون قد أصابه مكروه أو أن شياء ما قد حدث 

ولكن ها هو وجده منكمشا منزويا بجزء من زاوية الفراش يضم ركبتيه إلى صدره ويقضم أصابعه و الرعب والهم باد على وجهه و قلبه يعتصر والجبين مقطب هلعا وجزع ، وحوله مجلات و أوراق مبعثرة وبينها لمح الهاتف على الأرض ملقي على وجهه … 
بادرت إليه مقتربا ففزع أكثر و تأخر ملتصقا في الجدار خلفه … كأنه يقول لا تقترب مني لا تلمسني إتركني لوحدي، و تلك النظرة المليئة بالأسى والخذلان التي لن أنساها ما حييت ...
وقفت مكاني… أحاول تقييم الموقف وفهم ما يجري دون أن أدخل مساحته أو أزعجه أكثر و أحاول أن لا أزيده وأخفف عنه… ولكنني بحاجة لأن أفهم ما جرى حتى أستطيع التخفيف عنه … 

جلست قبالته على كرسي الخشب و أخذت أطالعه و أدقق فيما حوله وفي المجلات التي كانت متناثرة ملقية مبعثرة حوله وزاد في حيرتي أنني كلما وقعت عيني على صفحة من صفحات مجلة لاحظت أنه يزداد إرتعادا و إهتزازا ورعشة وينظر إلي نظرة خاطفة ويعيد النظر إلى صفحة المجلة ثم يغطي وجهه بيديه وهو يأن ويبكي في صمت وتكاد الأبخرة تتصاعد من رأسه لشدة الحرقة في البكاء و الأنين... 
مددت يدي لألتقط مجلة فزاده ذلك رعبا ... 
ولكن الصفحات كلها كانت على تصميم جديد لقميص رجالي ... والكلام كله يشير إلى أن هذه هي صرعة الصيف القادم و يروج لها أشهر دور تصميم الملابس في باريس و روما و نيويورك ...
أخذت أقلب المجلات الأخرى وحتى جهازه المحمول لأجد أن كل الصفحات والمجلات تتحدث عن هذه الصرعة الجديدة والإقبال عليها ومواعيد إطلاقها في محلاتها الضخمة حول العالم … 
ومع ذلك لم أفهم سر ما أصابه وما يفزعه ويبكيه ويضعه في هذا الحال ويمنعه من الرد على إتصالاتي ...
نظر إليه وقال:
أخبرني ماذا هناك ؟ ما الذي حدث ما الذي أصابك 
لم يرد بأكثر من عض إصبعه و هز رأسه بالنفي و ذرف المزيد من الدموع ...
ولكن يجب أن تخبرني حتى أستطيع مساعدتك و حل الإشكال و إنهاء هذا الحال 
وقف صامتا يحدق به وهو ينقل نظراته بين صفحات المجلات المتناثرة 
فأوما له ليجيب 
فقال… اخيراً 
إنها كارثة حلت به وأنه لم يعد يدري ما يفعله 
ما الذي حدث أخبرني 
أخيرا نهض من مكانه مرتعدا مرتبكا والدموع منه تسيل و أنفه معها يسيل و العبرات تخنقه و الوجه يكاد ينفجر حمرة  
رفع إحدى المجلات و أشار إلى الصورة فيها وقال…  انظر إلى هذا التصميم هل تراه 
قال نعم أراه 
كيف يمكنني أن أرتدي شيئا كهذا قل لي؟ أخبرني كيف لي؟
لا يناسبك ولا يليق بك بالتأكيد ولكن ما المشكلة هنا ؟
كيف لا مشكلة هي صرعة وتنتشر و لا أرتديها!؟ ولا أحصل عليها ولا يراني الجميع بها وتقول لا مشكلة؟
كيف لي أن أرتدي شيئا كهذا و كيف سمح المصمم لنفسه أن يفكر في شيء مثله و يطلقه على أنه صرعة جديدة و يروج لها الجميع ويعجبون بها و أنا من أتبع الصرعات أولا بأول و أفعل ما بوسعي لشراء كل جديد و إرتداءه كعارض للأزياء و أستمتع بذلك و الجميع يعرفني به …
إنهار وبكى و قال كيف يفعلون هذا بي … كيف … ماذا سأفعل الآن كيف أرتدي شيئا كهذا يظهرني بشكل مقرف غير لائق بي ، حتى و إن فكرت في تغيير حميتي لن يليق لن يعجب أحد … كيف … 
وضع يده على كتفه مربتا مهدئا وقال … 
لن يكون مقرفا أبدا فقط سيظهرك بمظهر الرجل …




شكراً… 
أكمل قراءة الموضوع...