بقعة واحدة ، لسان واحد ، سماء واحدة ، والبحث عن الاتفاق الجوهري

.

السبت، 24 مايو 2014

العِشرة ...

By 8:46 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 




ليلة الزفاف ... صبيحة اليوم الأول ... بعد أعوام طويلة...
تزوج الابن ... والزوجة راغبة في أن تبقى في البيت لوحدها ... فأصرت على زوجها أن يتخلص منه أو يجد من يرعاه في إحدى الدور ... افعل ما تريد ولكن لا أبقى أنا وهو في بيت واحد ...
حاول أن يقنعها فكيف يفعل شيئا كهذا ... أهكذا أكافئه ؟
أصرت ... حتى أنها خاصمته ...
فما كان منه إلا أن اخبره انه في نزهة سيأخذه ... إلى تلك الحديقة التي يحب ... ليجد أصدقائه القدامى الذين اعتاد لقاءهم هناك ...
فاستبشر فرحا ... لشوق به لتلك النزهات ولقاء الأصحاب ... 
في غرفتها جالسة ظهرها تعطيه ...
نظر إليها نظرة قبل إن يخرج ...
هل ستكونِ عني راضية ؟ ها أنا أخذه عنك بعيدا ... 

لم تلتفت إليه متظاهرة بأنها تفرك شيئا بين يديها ...

خرج ... صامتا ...

لم يتفوه في الطريق بكلمة ...

يفكر في ما مضى من العمر ... عميقة تلك الذكريات ...

لا فائدة ... انتهى ... علي أن انظر إلى المستقبل ... فأجله على كل قريب ... ولن استطيع أن أوقف القدر ... وكلنا سنموت يوما ...

عند حديقة مترامية ... جنت أشجارها واخضرت الأرض مرحا ... بالمقاعد المريحة مليء المكان والممرات المهيأة للسير وممارسة الرياضة ... مكان يرتاده الكثير من العجائز والشيوخ ... طيور تنتظرهم يصادقونها ... قطط تحوم حولهم كأنها أسرتهم ... كلاب تركض مع أصحابها ... تتنزه ... هادئ جداً المكان ... هادئة الأجواء ... ببعض ذهبي شعاع شمس النهار ...

عصافير كثيرة ... فراشات ... أطفال يلعبون ... بحيرة تتناثر أسماكها مع كل قطعة خبز يلقي بها الشيخ الكبير إليها ... 

فتح الباب وببطء ساعده على النزول ... سارا معا في المكان ... حتى وصل إلى الكرسي الذي اعتاد الجلوس عنده ... 
فأغتنم الفرصة وقال ... انتظر هنا سأعود بعد قليل ... لن أطيل عليك ...
...
جلس بهدوء يراقب ما حوله ... يلتفت يمينا ... يرى الأطفال يلعبون ... والأم تسند طفلها لكي يستطيع قيادة درجاته ... و آخر يركض خلف أخته ... شاب على العشب مستلق يقرأ كتابا ...
بالكاد يستطيع تذكر كيف كان في شبابه قويا نشطا ... و اعتاد زيارة هذا المكان ... بالكاد ...
سمع صوتا ... يناديه ...
التفت ببطء ... ولكن الصوت لم يكن يناديه هو ...
اتكأ ... و هدأ منتظرا ... دون أن يحسب للوقت حسابا ... فلا يهم الوقت كثيرا ...
هدأت الشمس ... أخبرت بأنها قاربت على أن تغرق في أفق البحيرة ... و تغيب لهذا اليوم ... بدأ المكان يفرغ من مرتاديه ... تباعدت الأصوات الضاحكة ... عم الصمت ...
لا أحد ... ماذا يفعل ؟ لما لم يعد لي؟
هل أصابه مكروه؟ أين اختفى ؟
انتظر؟ أم اذهب للبحث عنه ؟
ماذا لو أتى إلى هنا و لم يجدني؟ ...
تأخر الوقت ... و الظلمة بدأت تغشي المكان ... حتى أضاءت أنوار الحديقة ... ليرى ظلا من بعيد قادم إليه ... به استبشر أن يكون قد عاد ليعودا معا إلى البيت ... فقد أصابه الجوع و التعب من الجلوس في هذا المكان ...
نهض من جلسته ... تحرك ببطء شديد نحو الظل القادم ...
إذا به حارس الحديقة ...
قال ما الذي يبقيك هنا حتى هذا الوقت ؟ جئت لوحدك؟
تجاهله بعد أن عرف انه ليس هو ... مر بجانبه... كأن لم يراه ...
لا يدري إلى أين يتجه ... إلى أين يذهب ... لا يعرف أحدا هنا ... ماذا يفعل ... لأول مرة في حياته ... يشعر بأنه وحيد ... لأول مرة يشعر بالخوف ... تذبل عيناه حزنا ... يطأطئ رأسه و يسير في ظلمة الشوارع منهكا مجهدا يزيده الجوع تعبا ... ليس لديه أدنى فكرة ... عن ما ينتظره ...

بعد أدار ظهره إليه ... و دون أي تعقيب ... انطلق إلى السيارة ... أدار محركها ... و اختفى ...
دخل البيت ... وجدها تنتظره ... فرحة سعيدة بما فعله من أجلها ... وهي التي لم تبدي أي اهتمام بما يشعر به زوجها من حزن ... رغم الابتسامة التي يشّفها على شفتيه ... فقد كان ما فعله صعبا جدا عليه ...
قال لها ...
-         ارتحتِ  ؟
-         قالت أكيد يا حبيبي الآن أنت و أنا وحدنا ولا ينازعني فيك أحد ...
-         نعم وحدنا ولا ادري ما الذي كان يضرك في أن يبقى معنا وهو في هذا العمر وأنتِ تعرفين إن مكانك في قلبي لا يمكن أن يشغله أحد
-         يا زوجي يا حبيي أنت تعرف أنني لا أحب الكلاب و لا أطيقها ... فكيف لا اطلب منك التخلص منه؟
-         نعم اعرف جيدا ... و أعرف انه كلب وفي و أرجو أن يجد مأوى لبقية حياته ... أو يتبناه احدهم ...




شكراً

0 التعليقات: